للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فاحذر أن يتمَنْدل بك الكبراء (١)، أو يمتطيك السفهاء (٢)، فَتُلاين في فتوى، أو قضاء، أو بحث، أو خطاب.

ولا تسعَ به إلى أهل الدنيا، ولا تقف به على أعتابهم، ولا تبذله إلى غير أهله وإن عظم قدره (٣).

(١) قوله: "وعليه فاحذر أن يتمندل بك الكبراء"، أي: أن يجعلوك منديلًا يمسحون به أيديهم؛ لأنك تذل لهم، ومن ثم يتوصلون بك إلى تحقيق أغراضهم.

(٢) قوله: "يمتطيك السفهاء"، يعني: يركبوك ويجعلوك مطية لهم، ومن ثم تُلاين لهم في فتوى أو في قضاء أو في بحث أو في خطاب، ومما يترتب على هذا أن يعز طالب العلم نفسه، فلا يذهب إلى مجالس أهل الدنيا إلا إذا دعوه ليبلغ حقه، وأما أن يذهب إليهم ابتداء فليس هذا مما يحسن فعله من طالب العلم.

(٣) قوله: "ولا تَقِفْ به على اعتابهم"، وكثير من الأئمة يقول بأن مجالس العلم يؤتى إليها، ولا يصح أن تُنقل مجالس العلم إلى مواطن أهل الدنيا، فيقال: إذا أردت التعلم فتَعَال، والإمام أحمد وغيره من الأئمة طلبهم السلاطين في وقتهم إلى أن ينقلوا حديثهم في مواطن السلطان، فأبوا، وقال له الواثق [١]: أريد أن تعلم فلانًا وفلانًا من أبنائي. قال: فليحضروا إلينا وليتعلموا كما يتعلّم غيرهم.

وجاء هشام بن عبد الملك فطاف بالبيت، وجاءت له مسألة، فجاء إلى عطاء، وكان يصلي، فما نقص من صلاته شيئًا، ثم بعد ذلك أجاب الناس حتى جاء الدور إلى هشام بن عبد الملك فأجابه عن مسألته، ولا زال العلماء في الزمان الأول يأتيهم الولاة ويأتيهم الأمراء، ويسألونهم في مسائلهم في بيوت العلماء، فالعلم يؤتى إليه.


[١] سير أعلام النبلاء ١١/ ٢٧٦.

<<  <   >  >>