للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدِّين (١)، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، متميزًا بالتزام آثار رسول الله وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال (٢)،

(١) ثم قال المؤلف: "اتبع طريق السَّلف الصالح ومن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين"؛ لأن بعض الناس يقتدي بالسلف في باب دون باب، فحينئذ يضل في الباب الذي ترك فيه الاقتداء بسلف الأمة، أضربُ لهذا مثالًا: يأتيك إنسان يُتقِنُ أبواب الصفات، ويكون على طريقة السلف الصالح فيه، ولكنه في أبواب الإيمان لا يكون كذلك، حينئذٍ ضيَّع جزءًا من طريقة السلف، عندما يأتي في أبواب الإيمان وأبواب الصفات على طريقة السلف، لكنه يخالف طريقة السلف فيما يتعلق بمعاملة الولاة، حينئذ لا يكون سلفيًا، لأنه وإن كان سلفيًا في باب لكن لا يقال له بأنه سلفيٌ بإطلاق، ذكر المؤلف من ذلك: (التوحيد والعبادات ونحوها).

(٢) قوله "وترك الجدال"، الجدال قد يراد به توضيح الحق والاستدلال له، فيكون محمودًا، مرغبًا فيه، وقد يكون المراد به المناقشة العقيمة، والمجادلة بما لا يصل إلى ثمرة، بحيث يكون مقصود كلٍّ من المتكلمين الانتصار للنفس، فحينئذ يكون مذمومًا، أما الدليل على المحمود فقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، هذه الآية اشتملت على النوعين: الجدال المذموم، والجدال المحمود، وقال تعالى في الجدال المحمود: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، فإذا كان الجدال ليس بالتي هي أحسن فإنه يكون مذمومًا، وإن كان بالتي هي أحسن فإنه يكون محمودًا، فما صفة الجدال المحمود؟ أن يكون المقصود والمراد هو إعلاء الحق وبيانه، وإرشاد الناس إليه، لا الانتصار للنفس، إذا كان المجادل ملتزمًا بالآداب والأخلاق الشرعية، إذا كان المجادل لا يتكلم بلسانه بما يخالف الحق، أو بما يكون منافيًا للأدب.

<<  <   >  >>