بالافتتاح بالحمد لتكون عاقبة الأمر محمودة، وكان رسول الله ﷺ إذا أراد إعلام القوم حدوث حادثٍ كقدوم وفدٍ أو بشارتهم بخبر سار أو تنشيطهم لغزوٍ خَطَبَ.
وفيه بيان ما عليه مدار الخطب في الشريعة وهو حمد الله تعالى، وكلمتا الشهادة، والموعظة والوصية بالتقوى، ففي الآيات الثلاث أمر بالتقوى والسداد في القول وتنبيه على ما نِيطَ بهما من إصلاح العمل وغفران الذنب.
وفيه بيان أنه يجوز استعمال آيات القرآن في المخاطبات والمحاورات من غير أن يضاف إلى القرآن أو يحكي عن قول الله تعالى.
والخطبة في الحديث على قصر ألفاظها كاملة المعاني، وجملها مرتبة أحسن ترتيب، فالوصية مؤخرة عن الحمد والتشهد؛ لأن ذكر الله تعالى وذكر رسوله أحق بالتقديم؛ ولأنهم إذا أصغوا إلى الثناء على الله وتذكروا ما أنعم به عليهم وأعانهم عليه مما فيه إصلاح معاشهم ومعادهم وما قصروا به في أداء حقوقه ودعتهم شرور نفوسهم إليه على خلاف أمره، وتفرده بالهداية والإضلال، وما وفقهم له من التوحيد، ومَنَّ عليهم ببعثة الرسول؛ كانت الوصية أشد تأثيرًا فيهم، والوعظ أنفع لهم.
والحمد لله تعالي مقدم على ما سواه؛ لأنه الأول فالثناء عليه والشكر له أولى بأن يجعل أولًا، ثم نعم الله تعالى دارَّة على العبد قبل أن يحمده العبد بل قبل أن يتأهل للحمد، فحق عليه أن يفتتح الكلام بالحمد شكرًا لتلك النعم، ثم إذا أتمّ النعمة عليه في الآخرة استأنف حمدًا آخر، فيقع الحمد تارةً أولًا، ولذلك افتتح النطق به أبو الناس عند إصابة العطاس وتارةً أخرى ولذلك يقول الله تعالى: