للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريد، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ويرفع من يشاء ويخفض (١).

وليس غرض الحديث الميزان الذي يوضع في القيامة لوزن الأعمال، ألا تراه قال في الرواية الأخرى: "يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

[الفصل الثالث]

حَقُّ على من عرفَ سرعةَ تقلُّب القلبِ وتبدُّلِ أحواله، وتَحَقَّقَ تفاوت حظِّهِ من الأخلاقِ الحسنةِ والسيئةِ، وتَيَقَّنَ أنَّ ذلك كلَّهُ من تدبيرِ اللَّطيف الخبيرِ، وأنَّ بيد الرحمن ميزان ما شان وما زان؛ أن يُكْثِرَ الالتجاء إليه، ويطلب السعادة والخير مما عنده ولديه، على ما قال إثر ذكر القلب: "يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" وأن ينقِّيَ قلبه عن الشَّهوات الداثرة، وعن طلب الدنيا بعمل الآخرة.

روي عن عمر في تفسير قوله تعالى: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ (٢) أذهب عنها الشهوات.

وعن الحسن: إن طلب الدنيا بعمل الآخرة موت القلب، وإذا صفي القلب انفتح بصره الذي يدعي البصيرة وصار كالمرآة يتمثل فيه كل شيء (٣).

عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّهُ قَالَ: في وجه الإنسان عينان يُبْصِرُ بهما أمر دُنْيَاهُ، وفي قلبه عينان يُبْصِرُ بهما أَمْرَ آخِرَتِهِ، فإذا أراد الله بِعَبْدٍ خيرًا فَتَحَ عَيْنَيْهِ التي في قلبه،


(١) بقي على المؤلف إثبات أن الله تعالى يدًا ليست كأيدي المخلوقين، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ٦٤] وقال تعالى: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [سورة ص: ٧٥].
(٢) الحجرات: ٣.
(٣) رواه ابن المبارك في "الزهد" (١٥١٤) بنحوه.

<<  <   >  >>