للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع]

قال العلماء: الصِّراطُ صِراطانِ: حِسِّيٌّ وَعِلْمِيٌّ، وإن شئت قلت: صُوري ومعنوي.

فالأول: الجسر الممدود على مَتْنِ جهنَّم الموصوف في الخبر بأنه أَحَدُّ من السيف وأدقُّ من الشعر يلجأ النَّاسُ في القيامة إلى المرور عليه، ويوقفون للحساب لديه، والمارُّون مختلفون بحسب أعمالهم وأحوالهم، فمن مَارٍّ كالبرق الخاطف، وآخر كالجواد المضمر، ومن ساعٍ وزاحفٍ، ومن هاوٍ في النَّار لا انتعاش له بعد العثار، وهذا الصراط هو المراد في الحديث.

والثاني: جسرٌ ممدودٌ على متن الكفر وأنواع البدع والأهواء، وهو الدين القيم دين الإسلام، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (١).

وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الله تعالى بَعَثَنِي عَلَى طَرِيقٍ كَحَدِّ السَّيْفِ إِنْ زُغْتُ (عنه) (٢) هَلَكْتُ" (٣).

وهذا الثاني هو المراد بقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ في أشهر الأقوال، وبه قال جابر بن عبد الله، وشهر بن حوشب، والضحاك، والسُّدِّي، وغيرهم.

وَوَرَدَ به الحديث: أجاز لنا علي بن المختار بن عبد الواحد الغَزْنَوِيُّ لفظا في غَالِبِ الظَّنِّ، عن عبد القاهر بن شَاهفور، عن محمد بن سعيد، عن أحمد بن محمد


(١) الأنعام: ١٥٣.
(٢) ليس في س، د. وأثبته من "الدر المنثور".
(٣) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٣٣٤) للحكيم الترمذي من حديث ابن عباس.

<<  <   >  >>