للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلمة العابد، عن عبد الحميد بن جعفر أن الحسن كان يقول:

إن لله عبادًا قلوبهم مَحزْوُنَةٌ، وشرورهم مَأْمُونَةٌ، حوائجهم عند الله مَقْضِيَّةٌ ونفوسهم عن الدنيا عَفِيفَةٌ، صبروا أياما قِصَارًا لِعُقْبَى راحةٍ طويلةِ، أما الليل فَصَفُّوا أقدامهم تَسِيلُ دموعهم على خُدُودِهِمْ يَجْأَرُونَ إلى ربهم ربنا ربنا، وأما النهار فعلماء حُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ (١).

وقوله: "حَوَائِجُهُمْ عند الله مَقْضِيَّةٌ" من قبل قوله : "من لو أَقْسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ".

وقوله: "وأنفسهم عن الدنيا عَفِيفَةٌ" يشير إلى قِلَّةِ حرصهم وقصر أملهم علمًا منهم بأنَّ الدار داثرة، وأن دار القرار في الدار الآخرة.

رأيتُ بِخَطِّ والدي وغالب ظَنِّي أنِّي سمعته منه قال: كنا جلوسًا في المسجد الجامع عند الإمام أبي سليمان الزبيري يوم جمعة بعد العصر فقال لنا: هل لكم في زيارة الشيخ علك بطريق الجوسق؟ فقلنا: نعم. فقام وقمنا وأتينا قبره وزرناه، ثم أتينا قبر الشيخ أبي زيد وزرناه ومَنْ حوله، فوجدنا جفرات (٢) ترتع على قبورهم. فقال أبو سليمان: كم فوقها من جفرات، وتحتها من حسرات، ثم قال ونحن وقوف متفكرون من يجعل هذه الكلمة نظمًا ثم أنشدنا بعد لحظة: [طويل]

أَيَا سَعْدُ أَبْصِرْ وَاعْتَبِرْ مُتَعَجِّبًا … قُبُورًا عَلَيْهَا تَرْتَعِي جَفَرَاتُ

وَكَمْ تَحْتَهَا مِن أَلْمَعِيٍّ مُطَهَّمٍ … يَحُومُ عَلَيْهِمْ فِي الثَّرَى حَسَرَاتُ


(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ١٥١) من طريق مسلمة.
(٢) الْجَفْرُ من أَولاد الشاء إِذا عَظُمَ واستكرشَ، والأنثى جفرة والجمع جفرات.

<<  <   >  >>