للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسماع بلا كتابة، أو الكتابة بلا سماع.

ثم يختص الإملاء بفوائد أخر:

إحداها وهي العُظْمَى: صِحَّةُ السَّمَاعِ، وبُعْدُهُ عن الخطأ والتَّصْحِيفِ؛ لأن المملي يَتَثَبَّتُ أولًا ويضبط، ثم يتأنَّي عند الإملاء لتنصبَّ الكلمةُ بعد الكلمةِ في آذان السَّامعين ثم ليكتبوها. وأين يبلغ من ذلك سماع ما يُسْرِعُ القارئُ بقراءته فَتَزِلَّ عن لفظه الكلمة أو بعضها أو إعرابها أو عن سمع السامعين أو عنهما جميعًا.

وقد تُصحف فيما يقرأ إما عن جهل أو غلطٍ والتباسٍ أو غفلةٍ وذهولٍ ولا يَتَنَبَّهُ له السامعون من الشيخ وغيره، ولا يتميز موضع التصحيف عن غيره وسواء تميز أو لم يتميز فمن سمعه مصحفًا وروي: فإما أن يروي كما سمع فقد سمع غلطًا وروى غلطًا، وإن روي على الصواب فقد كذب في قوله: أخبرني فلان بكذا، أو سمعت منه كذا، وهذا كله في الرَّاوي والسَّامع اللَّذين لها دراية وتمييز، وإلَّا فلا يدري هذا ما يَسْمَعُ وهذا ما يُسْمِعُ، وما أقل فائدة مثل هذا السماع.

والثانية: إنَّ الإملاء يشتملُ غالبًا بعد رواية الحديث على تصرفٍ إمَّا من جهة جمع طرقه وشواهده، أو ذكر أحوال رواته، أو الفوائد المتعلقة بمتنه، فيكون نشاط النفس لأخذها والانتفاع بها أكثر وأتم.

والثالثة: ما فيه من زِيَادَةِ التَّفْهِيمِ وَالتَّفَهُّمِ للمذاكرة والمراجعة في تَضَاعِيفِ الإملاء والكتابة والْمُقَابَلَةِ، وقد يدعو إليهما التَّأمُّلُ والفكر في تلك الْمُهْلَةِ، وَنُنْشِدُ لِلْحَافِظِ أبي طاهر السِّلَفِيِّ (١):


(١) انظر "أدب الإملاء والاستملاء" (١/ ١١).

<<  <   >  >>