قالوا: ومن الوحي ما كان يأتيه في النوم، وقد ذكر أن رؤيا الأنبياء وحي، وهذا صحيح، لكن الأشبه أن يقال: إن القرآن كله نزل في اليقظة، وكان خطر له في النوم سورة الكوثر الْمُنَزَّلَة في اليقظة، أو عُرِضَ عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم وفسَّرها لهم، وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه، وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي، ويقال لها برحاء الوحي، وكان تبسمه لفرحه واستبشاره بما أعطي من الكوثر.
وفيه دليلٌ على جواز التَّبَسُّمِ عند الفرح، وعلى أنه لا بأس لجلساء المبتسم بالفحص عما عرض له، وعلى أن المراد من الكوثر في السورة الحوض، وقد فسره بعضهم بالقرآن والنبوة والأمة الكثيرة، وعلى أنَّ هناك نهرًا يجري فيه الماء وحوضًا يجتمع فيه، وعلى أن النهر والحوض في الجنة، وإذا كانا في الجنة فقوله: "تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي" و "يُخْتَلَجُ مِنْهُمْ الْعَبْدُ" يحمل على أنهم يقصدون وروده فيزاد بعضهم ويحال بينه وبين مقصده، وإلا فمن دخل الجنة لا يخرج منها.
وقوله: "آنِيَتُهُ عَدَدُ الْكَوَاكِبِ" أشار بكثرة الأواني إلى كثرة الواردين، وفي بعض الروايات: "لَهُ قِدْحَانِ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ".
وقوله: "فَيُخْتَلَجُ مِنْهُمْ الْعَبْدُ" أي: يُنْتَزَعَ وَيُمْنَعَ من وروده.
وقوله: "لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ" كأن المراد رِدّة من ارتد عن الدِّينِ بعد رسول الله ﷺ، وفي بعض روايات "الصحيح": "إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؛ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى".
وحمل بعضهم قوله: "مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ" على ما أُحْدِثَ من البدع وغُيِّرَ من