للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المؤلف: (١) وفي هذا الدليل تكون الصغرى والكبرى ممنوعتين، أما الصغرى فلأن الأمير نص بقوله «إنما الشورى للمهاجرين والأنصار» إلخ على أن الشورى لهم فقط، وبديهي أن الجماعة الذين جعلهم المهاجرون والأنصار خلفاء لم يكونوا معصومين، فعلم قطعا أن العصمة ليست بشرط في الإمامة أصلا. وأيضا لما سمع الأمير ما قال الخوارج «لا إمرة» قال «لابد للناس من أمير بر أو فاجر» كذا في (نهج اليلاغة).

سلمنا.، ولكن العلم بأنه معصوم لا يمكن حصوله لغير النبي، لأن أسباب العلم كلها ثلاثة أشياء: الحواس السليمة، والعقل، وخبر الصادق. ولا سبيل لأحد منها إلى تحصيله. أما الأول فظاهر إذ العصمة هي الملكة النفسانية المانعة من صدور الذنوب والقبائح غير المحسوسة، وأما الثاني فلأن العقل أيضا لا يدرك تلك الملكة إلا بطريق الاستدلال بالأفعال أحد بخصوصه وآثاره خصوصا نيات القلب ومكنونات الضمائر - من العقائد الفاسدة والحسد والبغض والعجب والرياء وغيرها من ذمائم الأخلاق - لا يمكن أولا حصوله، ولو سلمنا أنه حاصل ولكن يجوز حصول ما هو حاضر من جميع الأفعال والآثار الحسنة الباقية فإنها يمكن العلم بها، وأما ما مضى وما سيأتي من تلك الأفعال والآثار فلا سبيل لأحد إلا الله إلى العلم بها، لأن أحوال بنى آدم كثيرا ما تتغير آنًا فآنا بمكر الشيطان وإغواء النفس وقرناء السوء فيصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا. أما سمعت قصة برصيصاء الراهب (٢) وبلعم بن باعورا (٣) وهي كافية للعبرة في هذا الباب، والدعاء المأثور «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك» (٤) دواء شاف لداء الشبهة والشك في هذا الامر. ولو فرضنا أنها علمت، ولكن كيف تدرك حقيقة العصمة التي هي امتناع صدور الذنب؟ غاية الأمر فيه أنا نعلم عدم الصدور منه وهي مرتبة المحفوظية، ولا يجزئ هذا القدر من العلم في إدراك العصمة ما لم يوجد العلم بالامتناع. واما الثالث فلأن خبر الصادق قسمان: إما متواتر،


(١) عبد العزيز الدهلوي مؤلف الأصل.
(٢) تفسير ابن كثير: ٤/ ٣٤٢.
(٣) تفسير الطبري: ٩/ ١٢٠؛ تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٦٦.
(٤) الترمذي وأحمد، صحيح الجامع: رقم ٤٨٠١.