للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن الرجل إذا قال لامرأته «أنت طالق» أو «طلاق» ولو ألف مرة لا يقع الطلاق عندهم أبدا ما لم يقل «طلقتك». وقد عد الشارع هاتين الصيغتين من الطلاق الصريح أيضا، وإن كان أصل وضعها للإخبار بالطلاق، كما أن «طلقتك» كذلك. وهذه الألفاظ كلها مستعارة من الإخبار للإنشاء مثل «أنت حر» أو «عتيق» مع أنهم قائلون بوقوع الطلاق فيما إذا سأل رجل آخر: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم. مع أن الصريح فيه كون معنى الإخبار مرادا به الإنشاء، (١) وإلا فكيف يقع في جواب الاستفهام؟

ويقولون أيضا: لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين كالنكاح، (٢) مع ان المعلوم قطعا من الشرع أن الإشهاد في الرجعة والطلاق مستحب لمحض قطع النزاع المتوقع، لا أن حضور الشاهدين شرط في الطلاق أو الرجعة كما في النكاح. وكان توارث جميع الأمة في حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زمان الأئمة على هذا، وهو أنهم لم يطلبوا حضور الشهود عند الطلاق قط. والفرق بين النكاح والطلاق بيّن، إذ الإعلان في النكاح ضروري حتى يميز عن الزنا ولا يتهم بها، فأقل حد الإعلان يثبت شاهدين كما تقرر في الشرع، بخلاف الطلاق إذ لا حاجة فيه إلى الإعلان لعدم التباسه بشيء حتى يميز، ولعدم التهمة في ترك الصحبة والجماع، فالطلاق كالبيع والإجارة وسائر العقود في إحضار الشهود لمخافة الإنكار.

ويقولون أيضا: لا يقع الطلاق بالكنايات إن كان الزوج حاضرا، مع أنه لا خلاف بين حضوره وغيبته، (٣) بل هو خلاف قاعدة الشرع، فإن الشارع لم يعتبر في إيقاع الطلاق حضور الزوج وغيبته قط، بل في كل باب. فالفرق تشريع جديد من قبلهم.

ويقولون أيضا: إذا نكح المجبوب - وهو مقطوع الذكر فقط - امرأة ثم طلقها بعد الخلوة الصحيحة لا تجب العدة عليها، مع أنهم قائلون بثبوت نسب الولد بهذا الرجل إن ولد منها. (٤) فاحتمال العلوق من هذا الرجل ثبت أيضا عندهم، فكيف لا تجب عليها العدة؟ فإن وجوبها إنما هو لمعرفة العلوق، ويمكن حصوله من هذا الرجل بناء على القواعد


(١) وهو ما قرره الطوسي في النهاية، ص ٥١٢؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص ٣٢٥.
(٢) قال ابن بابويه: «باب الطلاق اعلم أن الطلاق لا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين في مجلس واحد بكلمة واحدة، ولا يجوز أن يشهد على الطلاق في مجلس رجل، ويشهد بعد ذلك الثاني». المقنع: ص ١١٣.
(٣) قال الطوسي: «إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد بذلك الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق عندنا أنه لا يقع به شيء». الخلاف: ٢/ ٤٤٩
(٤) شرائع الإسلام ٣/ ١٣٢.