للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: هل أزيدكم؟ وولى معاوية الشام التي هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى أنه نازع الأمير وبغى عليه في أيام خلافته. (١) وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلما شديدا حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه. وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه اقتلوه. (٢) ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل، ومن كان في هذا حاله فهو غير لائق بالإمامة. (٣)

والجواب أن الإمام لابد له أن يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقا لما هنالك بحسب الظاهر، إذ ليس له علم الغيب، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق. وقد كان عماله ظاهرا مطيعين له منقادين لأوامره. (٤) وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين، فقد فتحوا بلادا كثيرة حتى وصلوا غربا إلى الأندلس وشرقا إلى بلخ (٥) وكابل، (٦) وقاتلوا برا وبحرا، واستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان. وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل الوليد. (٧) ومعاوية


(١) قال ابن تيمية في منهاج السنة (٢: ٢١٩) لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء.
(٢) الخبر ليس في كتب التاريخ المعتبرة، ويظهر أنه من وضع الشيعة.
(٣) هذه المطاعن من كتاب الحلي منهاج الكرامة، وانظر رد ابن تيمية في منهاج السنة النبوية
(٤) وما يقال عن عمال عثمان - رضي الله عنه - يقال عن عمال علي - رضي الله عنه -، فقد ظهر الخيانة والفساد من بعض من ولاه، مثل قوله لبعض بني عمه: «فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كَلَبَ والعدوَّ قد حَرِبَ، وأمانة الناس قد خُزِيَت، وهذه الأمة قد فَنَكَتْ (أي بعدت) وشغرت (اشتدت) قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخلته مع الخاذلين، وخُنْتَه مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أدِّيْتَ». نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٦/ ١٦٧.
(٥) بلخ من أشهر مدن خراسان، افتتحها الأحنف بن قيس في أيام عثمان - رضي الله عنه -. معجم البلدان: ١/ ٤٧٩.
(٦) عاصمة أفغانستان اليوم، افتتحت في زمن بني مروان وأهلها مسلمون منذ ذلك الوقت. معجم ما استعجم: ٤/ ١١٠٨؛ معجم البلدان: ٤/ ٤٢٦.
(٧) ذكر الطبري وغيره من المؤرخين بأن عثمان عزل الوليد بن عقبة بعد هذه الحادثة سنة ٣٠هـ وولى مكانه سعيد بن العاص. تاريخ الطبري: ٤/ ٢٧١. قال الطبري في حق الوليد: «وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب». تاريخ الطبري: ٤/ ٢٥٢. قال ابن تيمية: «وعثمان - رضي الله عنه - لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد، وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل». منهاج السنة النبوية: ٦/ ٢٤١.