للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والغزوات ولا رخص لهن بزيارة الوالدين وعيادة المريض وتعزية أقاربهن. واللازم باطل فكذا الملزوم. والمراد من هذا الأمر والنهي تأكيد التستر والحجاب بأن لا يدرن ولا يتسكعن في الطرق والأسواق كنساء العوام، ولا منافاة بين السفر وبين التستر والحجاب، ألا ترى أن المخدرات من نساء الأمراء والملوك يخرجن من بلد إلى بلد ومعهن جمع من الخدم والأتباع. ولا سيما إذا كان السفر متضمنا لمصلحة دينية ودنيوية كالجهاد والحج والعمرة. وسفر أم المؤمنين كان من هذا القبيل، لأنها خرجت لإصلاح ذات البين وأخذ القصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - المقتول ظلما وعدوانا، وذلك لا يعد تبرجا.

ويجاب أيضا بأن ما طعنوا به أم المؤمنين وجد في فاطمة - رضي الله عنه - أيضا لما ثبت في كتبهم بطريق التواتر أن الأمير قد أركب فاطمة على مطية وطاف بها (١) في محلات المدينة ومساكن الأنصار طالبا منهم الإعانة على ما غصب من حقها زمن خلافة الصديق - رضي الله عنه -. (٢)

ويجاب أيضا بأن جميع رجال المؤمنين أبناء لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتفاق، (٣) وجميع من كان مع الصديقة في سفرها فهم أبناؤه. ولذا طلبت القصاص من القتلة، فلا إشكال ولا قيل ولا قال. وسيأتي قريبا بيان هذه القصة مفصلا إن شاء الله تعالى.

ومنها أن عسكر عائشة لما أتوا البصرة نهبوا بيت المال وأخرجوا عامل الأمير عثمان بن حنيف الأنصاري مهانا، مع أنه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والجواب أن هذه الأمور لم تقع برضاء عائشة ولا علمت بذلك، حتى أنها لما علمت ما جرى في حق عثمان بن حنيف اعتذرت له واسترضته. (٤) ومثل هذا وقع لعسكر الأمير مع أبي موسى الأشعري فقد أحرقوا بيته ونهبوا متاعه لما دخلوا الكوفة (٥) ومنهم مالك الأشتر. (٦)

ومنها أن عائشة أفشت سر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}. (٧)

والجواب أن إفشاء السر وقع من حفصة


(١) ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه! أهكذا يصل حب الدنيا بأمير المؤمنين أن يستخدم ابنة رسول الله عليها السلام ويطوف بها على الناس من أجل حطام ومتاع قليل؟
(٢) الرواية عن سليم بن قيس الهلالي، وهو من أوثق أصولهم، عن سلمان الفارسي قال «فلما كان الليل [في اليوم الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] حمل عليٌّ فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه إلى نصرته ... ». كتاب سليم بن قيس: ص ٥٨٠؛ الطبرسي، الاحتجاج: ١/ ٨٢.
(٣) هذا خاص بالمؤمنين، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}
(٤) روى الطبري ما يدل على هذا من طريق سيف بن عمر، وأن من فعله واجترأ على عثمان بن حنيف كان بعض الغلمان من عسكر أم المؤمنين، ولم تكن تعلم بذلك فلما سمعت أمرتهم أن يطلقوا سراحه. تاريخ الطبري: ٣/ ١٧. ومعروف كثرة الأعراب بين الفريقين. لكن الرواية التي احتج بها الشيعة واهية جدا لأنها رواية أبي مخنف المؤرخ الشيعي الواهي جدا، وسيف بن عمر أفضل منه بدرجات.
(٥) ذكر الطبري في حوادث سنة ٣٦هـ قال: كان علي - رضي الله عنه - قد خرج إلى البصرة، فوردت إليه الأنباء من الكوفة بأن أبا موسى الأشعري عامله عليها لا يوافقه الرأي في القتال، فأرسل إليه عمار بن ياسر ليستفهم الأمر، ولما كان مالك الأشتر من طلاب الفتنة فقد ألحَّ على الأمير في الذهاب إلى الكوفة، فأذن له وهنا استغل مالك الأشتر الفرصة لإثارة أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري، قال الطبري: «فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة، وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ... فخرج عليه غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر، فضربنا وأخرجنا، فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أم لك، أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما، قال: أجلني هذه العشية، فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر، وأخرجهم من القصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه ... ». تاريخ الطبري: ٣/ ٢٥ - ٨٢. فما فعل طلاب الفتنة بعثمان بن حنيف حدث أيضا لأبي موسى الأشعري، فلم التعصب؟
(٦) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث المذحجي، من أصحاب علي - رضي الله عنه -، شهد مشاهده كلها، وولاه مصر، فلما كان بالعريش مات هناك، قال الذهبي: «وقد كان علي يتبرم به لأنه صعب المراس». طبقات ابن سعد: ٦/ ٢١٣؛ سير أعلام النبلاء: ٤/ ٣٤.
(٧) نهج الحق للحلي ص ٣٧٠.