للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبتدعين ولا تغتر بتوافر الملحدين، وكثرة الهالكين. وكن حريصا على التفتيش عما كان عليه الصحابة من الأحوال متبعا ما كانوا يتحرونه من الأعمال، فهم السواد الأعظم، الواقفون من الهداية المحمدية على ما لم نعلم. ومنهم يعرف الحسن من القبيح، والمرجوح من الرجيح. فمن اتبع غير سبيل المؤمنين (١)، فهو الحقيق بوعيد رب العالمين. قال تعالى تعليما لعباده وتذكيرا {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

ومن نظر بعين بصيرته، وأمعن الفكر في طريق الاتباع وحقيقته، فحاد وابتدع، وللهوى والأطماع اتبع، كان كحاطب ليل أو متحير يدعو على نفسه بالثبور والويل، وقال تعالى في بيان طريق الهدى وتفضيله {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فحث سبحانه على اتباع سبيله الذي هو الكتاب والسنة، ونهى جل شانه عن اتباع السبل مبينا بأن ذلك سبب للتفرق والمحنة.

ولذلك ترى أهل السنة قد لزموا سبيلا واحدا، ولم تر منهم زائغا عما به وحائدا. وأما أهل البدع والأهواء وذوو الضلال والافتراء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة، وتشتتوا على مقتضى آرائهم الكاسدة، فهم على ما زعموه مصرون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

فإذا الواجب علينا معاشر أهل السنة اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في جميع اقواله، والتأسي به في سائر أفعاله وأحواله، والاقتداء بما كان عليه أصحابه، فإنهم المبلغون عنه - صلى الله عليه وسلم - وأحبابه، لأن من اقتدى بأولئك الأعلام، فقد اقتدى به - صلى الله عليه وسلم -. وما أخبث رجلا ترك سبيل السنة الشارحة للكتاب، واستبدل بالنعيم المقيم العذاب {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم}.

روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل


(١) والصحابة وصفهم الله تعالى بأنهم مؤمنون حيث قال عز من قائل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}