للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع المنافقين. ولما كانت الروايات من أهل السنة في هذا الباب غير معتد بها مزيد عداوتهم لفرق الشيعة على زعمهم، وجب النقل من كتب الشيعة المعتبرة مما صنفه الإمامية والزيدية. وقد سبق في أول الكتاب عند ذكر الفرقة السبيئة خطبة منقولة عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الزيدي المذكورة في آخر كتابه المسمى (طوق الحمامة في مباحث الإمامة) فلا حاجة بنا إلى إعادتها. ولما نعي الأمير بخبر قتل محمد بن أبي بكر (١) في مصر كتب كتابا إلى عبد الله بن عباس، فإنه كان حينئذ عامل البصرة، وهو كما هو مذكور في كتاب (نهج البلاغة) الذي هو عند الشيعة أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى: (٢)

«أما بعد فإن مصر قد افتتحت، ومحمد ابن أبي بكر قد استشهد، فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا. وكنت قد حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها ومنهم المتعلل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا. فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي بهم أبدا». (٣)

وكذا لما أُخبر بقدوم سفيان بن عوف الذي كان من بني غامد وأمير أمراء معاوية (٤) وركبانه ببلد الأنبار وقتلهم أهله، خطب خطبة مندرجة فيها هذه العبارة المشيرة للإرشاد وهي: «واللهِ يميت القلب ويجلب الهم ما نرى من اجتماع


(١) هو محمد بن أبي بكر الصديق، أمه أسماء بنت عميس تزوجها علي بعد وفاة الصديق فنشأ محمد في حجر علي - رضي الله عنه -، وشهد معه الجمل وصفين ثم ولاه على مصر لكن هزمه جيش عمرو بن العاص، ثم قتل في سنة ٨٣هـ. تهذيب الكمال: ٢٤/ ٥٤١؛ الإصابة: ٦/ ٢٤٥.
(٢) بل إن النصوص المأثورة عن علمائهم ودعاتهم، والروايات التي اخترعوها وأثبتوها في كتبهم، تدل على أنهم ينفون صحة كتاب الله تعالى، فلم يبق لهم إلا نهج البلاغة الذي ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها من هوى الشيعة ما تواتيهما عليه القريحة من ذم إخوانه الصحابة أو غير ذلك من أهوائهم. وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره، والباقي من كلام الرضي والمرتضى
(٣) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٦/ ١٤٥.
(٤) معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، من مسلمة الفتح، وأحد من كتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي، ولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الشام سنة ١٩هـ، وأقره عثمان - رضي الله عنه - عليه، بويع له بالخلافة سنة ٤١هـ في عام الجماعة، توفي سنة ٦٠هـ. الاستيعاب: ٣/ ١٤١٨؛ الإصابة: ٦/ ١٥١.