[المراد بالذكر]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وليس المراد بالذكر مجرد ذكر اللسان].
ترى بعض النساء في البيوت تمسك السبحة بيدها وهي تشاهد التلفاز وترى المسلسل وتتخذها عادة، فهذا لا يصح، فإما أن ترى التلفاز وإما أن تذكر الله، فإما الله وإما عباد الله، إما الخالق وإما المخلوق، إما دنيا وإما آخرة، فلا يجتمع الاثنان؛ لأن المتضادات لا تجتمع، فالليل والنهار لا يجتمعان، والكفر والإيمان لا يجتمعان، فإن هذا مستحيل.
فالذكر ليس تسلية، ولكن الذكر استحضار قلب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [بل الذكر القلبي واللساني، وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته].
يعني: عندما تقول: اللهم! أعني على ذكرك، فذكره يتضمن أسماءه وصفاته، مثل: الرحيم، الغفور، الودود.
وإن كان قلبك مظلماً فمن أسماء الله عز وجل النور، وعندما تشعر أنك في ظلمة من المعصية، فالذي ينور هذه الظلمة هو الله بطاعتك له.
وإن كان في داخل الإنسان ضلالة، فمن أسماء الله: الهادي، فكم هو جميل أن يناديك الناس باسم: عبد الهادي؟ ولكننا من كثر التكرار ننسى حلاوة الاسم، فهو يعبد الهادي الذي يهدي، كما قال تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:٣٣].
وإن كان العبد فقيراً فمن أسماء الله: الغني، ومن ذنوب العبد كثرة العصيان، فالله هو الغفار التواب، فعلى المسلم أن يستحضر القلب وهو يذكر هذه المعاني.
فليست الذكر مجرد ذكر لساني، ولكن لا بد من الذكر اللساني والقلبي، لكي يذكر بهما الأسماء والصفات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذكر أمره ونهيه، وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح، وذلك لا يتم إلا بتوحيده، فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه].
سألت أحد الإخوة، وكان قد سافر عن طريق البحر: هل هذه أول مرة تسافر عن طريق البحر؟ قال: نعم، فقلت له: بماذا كنت تشعر وأنت في الباخرة؟ فأجابني إجابة لطيفة جداً، قال: أشعر بالليل أنه القهار، وأشعر بالنهار بأنه ذو الجمال والرحمة، فبالليل ظلام دامس والباخرة في البحر مثل الريشة، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الشورى:٣٢]، فبالليل رهبة وقهر، وفي النهار جمال ورحمة.
وكما تذهب لزيارة قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنك تلقى الجمال والود والرحمة، وعندما تذهب إلى الكعبة تشعر بالرهبة والجلال والعظمة والقهر والجبروت، فتشعر في المدينة بالحنان، وتشعر في مكة بالخوف وبالذلة لله عز وجل، فتلك لها مذاق وتلك لها مذاق، ونحن لا نقارن هنا، وإنما هذه مثلها مثل الزاويتان المتكاملتان كل زاوية تكمل الأخرى، فهو القهار وفي نفس الوقت هو الرحيم، وهو القوي الغفور، والجبار الودود.