ومثال ذلك في المرشحين في الانتخابات، فكل واحد منهم يريد أن يأخذ كرسياً في البرلمان.
وقد قيل: إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي فحبة المشتهي تحت فخ التلف، فتفكر في الذبح، والناصح المؤمن يعلم هذا، فالنهاية والعاقبة مع الصبر هي حلاوة النجاة، ولذلك يروى أن إبراهيم بن أدهم قال: مررت بصومعة راهب في الشام، فقلت: أيها الراهب! منذ كم أنت هاهنا؟ فقال: يا إبراهيمي -أي: أنه على ملة إبراهيم- منذ سبعين سنة.
فقلت: وما الذي يصبرك على هذا الشقاء؟! فقال: أتباعي لهم يوم في السنة يأتون فيه إلي هنا ليحتفلوا بي، فيزينوا المكان، ويذبحوا الذبائح، ويجمعوا الناس، فأنا أصبر السنة كلها من أجل هذا اليوم.
فقلت: متى هو؟ قال: بعد أسبوع.
فقعد إبراهيم بن أدهم أسبوعاً، فإذا بهم قد أتوا بالهدايا والذبائح، فأخذ الرجل بضع حبات من تمر فقال لرجل: ساومهم على شرائها.
فقال: من يشتري من الراهب؟ فقالوا جميعاً: نشتري، فبكم الحبة؟ فقال أحدهم: أنا أشتريها بعشرة دنانير.
وقال آخر: أنا أشتريها بمائة.
فوزع على كل واحد حبة بمائة دينار.
ثم قال الراهب لـ إبراهيم بن أدهم: يا إبراهيمي! أرأيت كيف أني أصبر العام كله لأجل يوم، وأنت لا تريد أن تصبر العمر من أجل نعيم لا نهاية له في جنة عرضها السموات والأرض؟! يا إبراهيمي! أرأيت كيف يعتز مخلوق بعطية مخلوق فيشتريها، والله سبحانه قد اشترى منك نفسك ومالك، فهل بعت لله يا إبراهيمي؟! وهناك مقالة قالها الحسن البصري، فقد قال: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان الخزف الذي يبقى خيراً من الذهب الذي يفنى، فكيف والآخرة ذهب يبقى والدنيا خزف يفنى؟! أي: فالكارثة أن الدنيا عبارة عن خزف فان، والآخرة عبارة عن ذهب باق، ونحن نفضل الخزف الفاني على الذهب الباقي.