[أقرب الأبواب إلى الله عز وجل]
أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فمرحباً بكم، كما كان يرحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحابته، ولنا فيه قدوة حسنة، وكان كلما التقى بالصحابة يقول: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى ولا آثمين، فكان مبشراً صلى الله عليه وسلم وما كان منفراً، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان عليه الصلاة والسلام دواءً وشفاءً للعليل، وكان الطبيب والحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان دائماً يقول: (ما يشاك أحدكم بشوكة إلا وأجد ألم ذلك في قلبي).
وعندما نزل قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:٥]، كان يقول: (يا رب! وأنا لا أرضى وواحد من أمتي في النار)، وكان الله عز وجل يقول له ولجبريل: (يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته، وسوف نرضيه فيهم)، وكان يقول: (ماذا أعطاني ربي يا جبريل؟ قال: إن الله حرم النار على كل من قال لا إله إلا الله).
فهذه كلها مبشرات، ولقد كان صلى الله عليه وسلم كما قال فيه ربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن معشر الأنبياء ما ورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا علماً يتعلمه الناس) فنحن مع واحد من هؤلاء الذين ورثوا ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية، وإذا كان التلميذ هكذا، فما بالنا بأستاذه.
مرة من المرات كان ابن القيم يمشي على النهر، فسأله أحد تلاميذه: ماذا أعمل بذنوبي، فأنا أذنب وأتوب، ثم أعود فأذنب وأتوب، فماذا أفعل؟ فكانت إجابته كتاباً بأكمله وسماه كتاب (الفوائد).
وكان ابن قيم الجوزية رضي الله عنه تلميذ شيخ الإسلام، وكان له جملة طيبة يقولها وهي: أردت أن أدخل على الله، فطرقت الأبواب، فوجدت على كل باب كظيظاً من الناس.
ومعنى: كظيظاً أي: أن الأبواب مزدحمة، فكانت نظرة الصالحين أن هناك ازدحاماً على فعل الخير، وهذه كانت وجهة نظره، لكن لو كان منحرفاً لقال: لا يوجد من يعمل خيراً في هذا الزمان؟ لكن ابن القيم كان يرى الصورة الطيبة في المجتمع.
قال: فطرقت باب الذل فوجدت عليه قليلاً من الناس، فوجدته أقرب الأبواب إلى الله عز وجل، ثم ذكر الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣]، فإجابة الدعاء تأتي للعبد كلما ذل.
ولذلك: رب معصية أورثتك ذلاً وانكسارا، خير لك من طاعة أورثتك عزاً واستكباراً.
أي: كلما أذنبت واستحيت من الله أكون ذليلاً وخاضعاً، وأتوب وأبكي، وأحشر نفسي مع الصالحين، ومع أهل العلم، وفي مجالس الذكر، وهو أفضل من أن أعمل طاعة، وإن عملت فربما يأتي أحد لينصحك وترد عليه بقولك: أنا أصلي الصلاة في وقتها، وأزكي الزكاة في وقتها، وأقوم الليل، وبيني وبين الله أعمال وأسرار، فلا داعي لأن تنصحني.
ومن يقول هذا فلا أظن أن بينه وبين الله عماراً، وإلا لما خرب على المدى الخاص والعام، نسأل الله أن يعمر قلوبنا بذكره، وأن يتولانا وإياكم برحمته.
وسوف نقرأ اليوم ثلاث فقرات من كتاب الفوائد لـ ابن قيم الجوزية، فنقول: