للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مفاسد الكبر]

قال: [فالكبر يمنعه الانقياد] أي: الانقياد للحق وللكتاب والسنة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يأكل بشماله: (كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما استطاع أن يرفعها بعد ذلك)، وسبب امتناعه وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما منعه إلا الكبر)، يعني: الكبر هو الذي جعله يمتنع أو يرفض أن يأكل بيمينه، فالكبر يمنعه من الانقياد.

جاء شخص إلى أناس يحضرون محاضرتي لهم يوم الأربعاء فقال: من الذي يحاضركم كل يوم أربعاء؟ فقالوا له: شيخ اسمه فلان.

فلما دخلت نظر إلي هذا الشخص، واستمع للمحاضرة، وإذا به بفضل الله أصبح صديقاً لي والحمد لله، وأصبح يزورني، فحكا لي كيف أحبني فقال: في الحقيقة أنا جلست أولاً هكذا -يعني: لا تغضب مني- وضعت رجلاً على رجل، فلما وجدت الكلام جيداً ابتدأت أنزل رجلي، ثم بدأت أجتمع معك، ثم بدأت أعدل ظهري، ثم بدأت أجري وراءك في كل منطقة.

قلت: وذلك بسبب التواضع، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً، ومن تواضعه أنه كان يجعل الصحابة يمشون أمامه ويقول: (خلوا ظهري لملائكة ربي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبقوني في ركوع ولا سجود، قالوا: أوترانا يا رسول الله؟! قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي).

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نبأ السيدة عائشة رضي الله عنها بما قالت، فقالت عائشة رضي الله عنها: {مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} [التحريم:٣].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدير غزوة مؤتة وهو جالس في المدينة ويقول: قتل زيد رفع الراية جعفر قتل جعفر، رفع الراية عبد الله بن رواحة، وقد وقعت هذه الغزوة في شمال فلسطين، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المدينة يترجم الأحداث.

إذاً: الكبر يمنع العبد من الانقياد، فـ أبو جهل -والعياذ بالله- قال: تسابقنا نحن وبنو عبد مناف، فقالوا: لنا السقاية ولنا السدانة، وقلنا: لنا الراية والجيش في الحرب، فقالوا: منا نبي فأنى ندرك هذا الشرف؟ والله لا نؤمن به أبداً، فما منعه من الإيمان إلا الكبر، قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:٥٧]، فهم يعرفون أن الرسول على هدى، لكن الذي منعهم من الإيمان به هو الكبر.

كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بجانب عمه أبي طالب وهو يموت، وكان يقول له: (قل يا عماه! لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)، وكان عمه أبو طالب إذا نظر إلى أخيه أبي لهب قال له أبو لهب: يا رجل لا تفتضح أمام العرب بعد أن تموت، فإنهم سيقولون: الرجل غير دينه عند موته، وكان إذا نظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عماه! قلها).

ويروى أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي! ألم تشفع لعمك عند ربك؟ قال: (لقد شفعت يا عماه! قال: وماذا أعطاه؟ قال: يوضع في ضحضاح من النار يلبس أبو طالب نعلين من نار يغلي منهما دماغه) وهذا أخف عذاب في النار والعياذ بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>