للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما فيه خير وشر]

وأما النوع الثالث: فالنوع المركب من الخير والشر، وهو نحن بني آدم، فإذا تغلبت نوازع الخير على نوازع الشر، صرت عند الله أفضل من الملائكة، ولذلك قال الله في الحديث القدسي: (يا عبدي! أنت عندي كبعض ملائكتي) يعني: ليس ملكاً واحداً بل مجموعة ملائكة.

ولذلك عندما قال الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠]، فأتى ملك من الملائكة فيما رواه الترمذي وقال: يا رب! أدعوك أن ترزقني عمراً مائة ألف عام، ومائة ألف جناح، وقوة مائة ألف ملك، فقال له: لماذا؟ قال: أريد أن أطوف حول العرش مسبحاً بحمدك، فأعطاه الله ما يريد، وبعد أن انتهت المائة ألف عام، واكتشف هذا الملك أنه لم ينه لوناً واحداً من ألوان العرش؛ فالأرض والسموات بجانب الكرسي مثل الحلقة في الصحراء، والكرسي بجانب العرش مثل الحلقة في الصحراء، ففي ذلك الوقت وقف الملك أمام جنة من الجنات يبكي، فخرجت واحدة من الحور العين، وقالت: مالك تبكي عبد الله في مكان لا يحل فيه البكاء؟ فقال: سألت ربي كذا وكذا، وأعطاني، ولم أكمل شيئاً، فقالت له: بفعلك الذي صنعت، ما بلغت جزءاً من مائة ألف جزء من ملك أبي بكر الصديق في الجنة.

فالعبد منا إذا تغلبت فيه نوازع الخير على نوازع الشر، صار عند الله أفضل من الملائكة، وإذا تغلب جانب الشر -كما نرى في الغالبية- على جانب الخير، كأن أسوأ عند الله من الشياطين؛ لأن الشيطان بطبيعته لا يفعل خيراً؛ لأنه ليس الخير مركباً فيه، لكن الإنسان فيه جانب الخير والشر، فإذا تغلب عليه جانب الشر، فهنا المصيبة.

فالإنسان قبضة من تراب الأرض ونفخة من روح الله عز وجل.

ولذلك نرى الرؤى في المنام، وما يراه الناس ثلاثة: الرؤى: جمع رؤيا، وهناك رؤيا، ورؤية.

الرؤية تكون بالعين الباصرة، لكن رأى رؤيا أي في المنام، فهناك رؤيا وحلم وكابوس.

فالرؤيا: هي أن تكون خالي الذهن من أي موضوع، وترى شيئاً مبشراً بأمر من أمور الآخرة، أو أمر فيه سعادة الدنيا، يقدمني خطوة نحو الله عز وجل، فهذه هي الرؤيا، فمثلاً: إذا رأى أحد الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه رؤيا، والآخر رأى أبا بكر الصديق فهذه رؤيا أيضاً.

أتاني رجل وقال لي: ابنتي عمرها إحدى عشرة سنة، رأت أنها جالسة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم، حتى عرفت الصحابة واحداً واحداً، وكأنها كانت تشير بيدها: هذا أبو بكر وهذا عمر وهذا عثمان وهذا علي.

فقلت له: إما أن ابنتك حافظة للقرآن، أو أنها ستتم حفظ القرآن.

فقال لي: بقي لها جزء.

فهي قد دخلت في الصحبة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتم حفظ القرآن وعمل به، ما بينه وبين النبوة إلا أن يوحى إليه) وفي الآخرة يقال له في الجنة: اقرأ وترق، اقرأ وترق، حتى يصل إلى آخر سورة يحفظها، ويجد نفسه في الفردوس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأهم شيء العمل، والله ولو حفظ آية وعمل بها لنفعته كثيراً.

قال سهل بن عبد الله: حفظت القرآن وعمري سبع سنين، وحفظت من الأحاديث أربعمائة ألف حديث، وتتلمذت على يد أربعمائة أستاذ، واخترت من ذلك كله حديثاً واحداً عملت به وهو: (اعمل لله بقدر حاجتك له، وللدنيا بقدر مقامك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، وللنار بقدر صبرك عليها).

إذاً: فالإنسان يعرف أن هذه رؤيا إذا كانت صالحة، الرؤيا من الرحمن.

أما الحلم فهو من الشيطان، والحلم مثاله أن أفكر بموضوع معين، مثلاً: ابني مسافر أو مريض، أو حالتي متعبة في العمل، أو عندي مشكلة مع صاحب البيت، أو مع ورثة أو نحو ذلك، فأرى في منامي شيئاً مطابقاً للواقع الذي أعيشه، مثل الذي يأكل قبل أن ينام أكلاً مالحاً، ثم يرى أنه يشرب ماءً كثيراً، أو يغرق في ماء، فهذا بسبب أنه نام وهو عطشان، فهذه الأحلام من انعكاس الحالة النفسية.

والكابوس: يكون عندما ينام الشخص على غير وضوء، أو نام على معصية، أو وهو لم يصل العشاء، فيرى في المنام أن بيته احترق، أو أن زوجته كشرت في وجهه في الرؤيا، أو شيئاً غير طبيعي، وتكون زوجته راضية عنه، وهو راض عنها.

فعندما يقوم أحد من رؤيا منقبض الصدر من النوم، فلا يحكيها لأحد؛ لأنك لو حكيتها وفسرت فسوف تقع.

فالرؤيا طائر أينما فسر وقع، فلا تفسره ودعه يطير بعيداً عنك، لكن لو فسره لك عالم سيقع على الفور.

ويفعل كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يتفل على يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) ومعنى: (يتفل) أي: ينفخ وليس يبصق.

ولكن ما الذي يجعل الإنسان يرى الرؤيا وهو نائم؟ قال العلماء: إن جسم الإنسان معتم؛ لأنه من الطين، فهو حاجز الروح، ولذلك عندما يموت العبد يقول له الله: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:٢٢]، ومعنى: (حَدِيدٌ) أي: أكثر حدة، وذلك عندما رأى الحقيقة، ورأى عين اليقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>