[الوجه الثالث لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي]
الأمر الثالث: أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي؛ لأن أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها وهي أمر، فأحب أمر عند الله هو أن أصلي الصلاة في وقتها، فهذا هو أفضل الأعمال عند الله، وفي الحديث (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، عندما تأتي النهي والله عز وجل قد نهى عنه، فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر، فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}[الصف:٤]، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:١٣٤]، {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات:٩]، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:١٤٦].
أما في جانب المناهي فأكثر ما جاء هو نفي المحبة، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:٢٠٥]، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[الحديد:٢٣]، {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:١٩٠]، {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النساء:١٤٨]، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء:٣٦].
وفي موضع ذكر المنهيات وأخبر تعالى أنه يكرهها ويسخطها، فقال تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء:٣٨]، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ}[محمد:٢٨].
قال: إذا عرف هذا -يعني: العبد- ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على ذلك مما يجب.
فالله عز وجل قدر على كل شخص حظه من الذنوب، ففي الحديث:(كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، النظر واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه).
فالإنسان له حظ من الذنوب لابد من أن يعملها، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم)، يعني: أنت إذا لم تذنب فإن الله عز وجل سيأتي بأناس يذنبون ويستغفرون؛ لأن الله سبحانه وتعالى سوف يغفر لهم، فاللهم اجعلنا من الذين إذا أذنبوا استغفروا يا أرحم الرحمين.