للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مفاسد الحسد والغضب]

قال المؤلف رحمه الله: [والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها].

أي: أن الإنسان الحسود لا يقبل نصيحة؛ لأنه حسود يكره أن يأخذ نصيحة من غيره، ومن الحسد أن تكون عنده معلومة ولا يريد أن يقولها، وهذا ألعن أنواع الحسد.

قال: [والغضب يمنعه العدل].

جاء رجل متهم أمام شريح القاضي أتى بدليل البراءة يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩]، قال: هذا في الآخرة، قال له: نعم، في الآخرة سوف يؤتى بحسناتي وسيئاتي، أما أنتم فلن تأتوا إلا بسيئاتي فقط! يعني: أنتم في الجلسة لا تذكرون إلا عيوبي.

كذلك البنت عندما تحكي لأمها عيوب زوجها فإنها لا تأتي بمحاسنه، بل تقول عنه: كل يوم يأتي بأصحابه إلى البيت فقط، فإن سألتها أمها: هل يصلي؟ أليس له حسنات أخرى؟ تقول: لا، فهي لا تذكر حسنات زوجها؛ لأنها في حالة غضب، أما لو كانت الزوجة في حالة من حالات الرضا، أو الزوج في حالة من حالات الرضا، أيعدل أم لا؟ فالعدل يأتي من السكن النفسي والسلام الداخلي، والغضب يمنع الإنسان من العدل، وأسوأ شيء يصاب به ابن آدم أن يكون سريع الغضب؛ لأنه عندما يغضب ابن آدم فإنه يكون في يد الشيطان مثل الكرة في يد الصبي يقلبها كيف يشاء.

ويعطينا النبي صلى الله عليه وسلم العلاج لذلك، فيقول: (اذهب وتوضأ؛ لأن الغضب من الشيطان والشيطان من النار ولا تطفأ النار إلا بالماء) ومن غضب وهو واقف يجلس، فالغضبان لابد أن يغير حاله كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم وهي مسألة طبية بحتة، والشيطان له مداخله، ويحب دائماً أن يفرق بين أهل الحق.

دخل رجل على أبي بكر رضي الله عنه وشتمه، فسكت أبو بكر، فشتمه الرجل ثانية فسكت أبو بكر، وفي الثالثة رد أبو بكر رضي الله عنه وشتمه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! وكل الله ملكاً يرد عليه بدلاً منك، فلما بدأت أن ترد ذهب الملك وجاء شيطان وأنا لا أجلس في مجلس فيه شيطان).

فالشيطان يدخل في كل بيت، فقد دخل بيت النبي يعقوب عليه السلام، وجعل إخوة يوسف يأخذون أخاهم ويرمونه في البئر، ومستحيل أن ولداً صغيراً عمره اثنتا عشرة سنة يخرج من البئر لكن الله أخرجه.

يحكى أن امرأة رفعت شكوى إلى شريح القاضي، وأخذت تبكي وتقول: زوجي ظالم يظلمني، فقال رجل لـ شريح: يا أيها القاضي! أجبها، إنها تبكي، قال: اسكت لقد جاء إخوة يوسف أباهم عشاءً يبكون.

ويحكى أن رجلاً قصيراً دخل على كسرى فقال: أيها الملك! ظلمني أخي، فسكت كسرى، فأعاد الرجل قوله فسكت كسرى، فقال وزير كسرى: أيها الملك! إنه مظلوم، قال: لا، هذا قصير لا يُظلم، فتبسم الرجل وقال: ظلمني من هو أقصر مني، فالغضب يمنع العدل، ومادام الإنسان غاضباً لا يعدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>