فالذي يذوق الشيء هو الذي يعرف قيمته، فحين تكلم عاصياً على حلاوة العبادة، أو تكلمه على لذة المناجاة في جوف الليل وهو لا يصلي أصلاً فإنه لا يدرك ما تعنيه بالضبط، فمن ذاق شيئاً عرفه، فالذي يذوق طاعة الله يعرفها.
وأعجب الأشياء أن تعرفه تعالى ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر معاملته ثم تعامل غيره، وأن تذوق ألم الوحدة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه.
والأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض.
أي أنك عارف بأنك لن تجد غيره، وأنك محتاج إليه، فليس هناك إلا هو ومع ذلك تعرض عنه، فلو فكر الإنسان في هذا لسلك في حياته مسلكاً آخر، ولو جئنا بكل فقرة من كتاب الفوائد لكان فيه صحوة للغافلين؛ لأن كتب ابن القيم فيها الدواء الشافي لكل قلب بعيد عن الله عز وجل.