يقول ابن القيم رحمه الله: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصر العدو دخل في حصر النصر، فعبثت أيدي سراياه بالنصر في الأطراف، فطار ذكره في الآفاق، فصار الخلق معه ثلاثة أقسام: مؤمن به، ومسالم له، وخائف منه.
يعني: إذا بحثت حول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتصار الإسلام فستجد هذه الأقسام الثلاثة: قسم مؤمن به، وقسم مسالم له ومعاهد من أجل ألا يحاربه ولا يحارب ضده، وقسم خائف منه.
يقول ابن القيم: ألقى بذر الصبر في مزرعة: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف:٣٥]، وكأن الصبر له جذور، وجذور الصبر تنتج الإيمان، وتنتج رضاً، وتنتج يقيناً، وتنتج ثقة بالله عز وجل، كما قالت السيدة عائشة في أبي بكر: لقد كنت ضعيفاً في بدنك، قوياً في أمر الله كالجبل الأشم لا تزيلك العواصف ولا تزحزحك.
وكأن الرسل لهم مزرعة، وكل رسول يبذر الصبر فيها، ووالله لا يصلح الإيمان بدون صبر أبداً، كما قال سيدنا علي: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري سأصبر حتى يحكم الله في أمري سأصبر حتى يعلم الصبر أنني صبور على شيء أمر من الصبر يعني: أنه سيكون صابراً إلى درجة أن يصير الاسم صفة.
فالرسل لهم مزرعة، وابن القيم يتكلم عن مزرعة الدعوة، فكل رسول يأتي بواجبه، والرسول بذر كما بذر أولو العزم.
قال تعالى:((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ))، ولما بذر أولو العزم من الرسل الصبر حصدوا النصر، ففي الحديث:(إن النصر مع الصبر).
فإذا كانت هناك امرأة أتعبها زوجها وأرادت أن تنتصر في الدنيا والآخرة فبالصبر، وقد قال سيدنا علي: من أصيب بمصيبة فصبر كان له الأجر وقد نفذ أمر الله، ومن أصيب بمصيبة فلم يصبر كان عليه الوزر وقد نفذ أمر الله.
فالصبر مسألة مهمة جداً، وهو يعطي ثقة للإنسان، فبعدما تذهب الأزمة يكون الإنسان فخوراً أمام نفسه، فيقول: الحمد لله، ولكن عندما ينهزم يشعر بالإحباط.