[أصناف الاجتماع بالإخوان]
قال ابن القيم رحمه الله: [الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت وهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت]، وإن كان لا يحض على الحرام أو لا يتكلم به فيه، فإنه يضيع أثمن ما يمتلك الإنسان وهو الوقت.
[الثاني الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها]، اللهم اجعلنا منهم يا رب! فكلما جلس أصحابه تواصوا بالحق والصبر.
قال: [ولكن فيه آفات ثلاث إحداها: تزين بعضهم لبعض، والثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة]، وهذا بالذات يلاحظ من شكاوي النساء في المسجد.
فما أن تجلس امرأتان معاً، حتى تبدآن في نثر الأخبار، وما أن ينتهي الحديث عن موضوع حتى يفتح موضوع آخر، مستغلات ما أودع فيهن الله من ذاكرة عملاقة، إذ يصل عدد خلايا المخ البشري إلى ألف بليون خلية -كل خلية عبارة عن (ركوردر) يسجل الأحداث، فلو استعضنا عن كل خلية بمسجل من أصغر حجم لنقوم بدور المخ في تسجيل الأحداث لاحتجنا إلى مسجلات تشغل مساحتها القاهرة الكبرى والجيزة وأسيوط، كل هذه موضوعة في حيز سبعة سم!! فمن منا شكر هذه النعمة وقال: أحمدك يا رب! لما علمت ولما لم أعلم، وأستغفرك لما أعلم ولما لا أعلم؛ لأنني أعمل ذنوباً لا أعرفها، وإن عرفتها أنساها.
فبينما كنت أزور أخاً لي مريضاً قال أحد الجالسين: يا أخي! بذمتك هذا كلام، فقلت له: قل لا إله إلا الله، فاستغرب مما قلته له، فقلت له: أليس المسلم لو قال لأخيه: في ذمتك جعله من أصحاب الذمة، فيكون حوله من مسلم إلى نصراني أو يهودي؟ قال: نعم، قلت: فكفارتها إذاً: لا إله إلا الله.
يقول ابن القيم: [الثالثة: -من الآفات في المجالسة الطيبة- أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود] فيكون الاجتماع لمجرد أن يرى فلاناً ويجلس معه ولم يقصد مرضاة الله سبحانه.
ثم يقول: [وبالجملة فالأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقاحها من الشيطان، وقد جعل الله عز وجل بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات وعكس ذلك أيضاً].
أي: أن الخبيثات للخبيثين، والمعنى أن النفس الطيبة يجعل لها الروح الطيبة أو الجسم الطيب يجعل له الروح الطيبة، والروح الخبيثة توضع في الجسم الخبيث، وتقدم أن قوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:٢٦] ليس خاصاً بالأزواج والزوجات، فهذه آسية امرأة فرعون من الطيبات ولم يكن فرعون طيباً، وهذه زوجة سيدنا نوح عليه السلام لم تكن من الطيبات وكان هو من الطيبين، بل المعنى: الطيبون من الناس للطيبات من الحسنات، والطيبات من الحسنات للطيبين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من السيئات والخبيثات من السيئات للخبيثين من الناس.
يذكر أحدهم قصة عجيبة فيقول: رأيت امرأة كفلقة القمر تبتسم في وجه رجل أمام خيمة وهو يعبث بوجهها ويشيح بيده وهو دميم الخلقة، فلم أستطع الصبر فقلت لها: من هذا؟ قالت: زوجي، فقلت لها: وما الذي يصبرك عليه؟ فقالت: ربما فعل حسنة في حياته فجازاه الله عليها بي، وأنا فعلت سيئة فجازاني الله عليها به.