نحن لسنا مكلفين بالدخول إلى قلوب الناس، فلا نجلس في بيوتنا ونتهم الناس: هذا كذا، وهذا يفعل كذا، وهذا أظنه كذا، بل أتهم نفسي أفضل من أن أتهم غيري، وأبحث عن جروحي وأعدد عيوبي، وأنا أريد منكم عندما ترجعون إلى بيوتكم أن تأتوا بورقتين وهما رمزان للعدد الكبير، وكل واحد منكم يكتب عيوبه التي لا يراها، فمثلاً لا يقول أحد في نفسه: أنا أصلي وأصوم وأزكي.
لا أقصد هذا، ولكن نأتي بالتدرج حتى نستفيد جميعاً: أولاً: الرأس وما وعى، وأول شيء في الرأس العقل، هل هذا العقل ينشغل بإساءة الظن بالناس؟! أو أنه موقر للناس وثقة ولا يتدخل بأحد، كما قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:٣٦]، فأرى هل هذه موجودة أم لا؟ هل أقتفي آثار الناس، وأقول: فلانة أين ذهبت، وفلان أين ذهب؟ وفلانة عندما طلقت حصل لها كذا.
ثاني شيء في الرأس: العينان، هل أرى بهما الحرام، هل أنظر بهما إلى الناس باستهزاء وسخرية، هل أستخدم هاتين العينين فيما يغضب الله عز وجل؟ ثالث شيء في الرأس: الأذنان، هل أسمع بهما غيبة ونميمة وأغاني وفوضى، وكلاماً من كلام الدنيا ولهواً، قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:٣]، والمستمع شريك للمتكلم.
رابع شيء في الرأس: اللسان، هل أشهد الزور؟ هل أقول الحق؟ هل أقرأ بلساني القرآن دائماً؟ هل لساني هذا لا يخطئ وليس كثير الحلف، هل لساني لا يكذب؟ هل لساني لا يغتاب ولا ينم؟ فإنك ستجد غيبة ونميمة وشهادة زور وغير ذلك.
واليدان، هل تمسك المصحف؟ هل تتصدق؟ هل تعمل؟ أم أنك تستخدم هذه اليدين فيما لا يرضي الله عز وجل؟ هل ضربت شخصاً بها ذات مرة؟ وبعد ذلك المعدة، هل هذه البطن تأكل حلالاً أم تأكل حراماً، وأكل الحلال هذا كيف يكون وأين ومتى وبقدر ماذا؟ ونفس القضية في الفرج.
وبعد ذلك القدمان، هل أذهب بهما إلى مكان جيد أو إلى مكان غير جيد؟ هل أذهب بها لأعمر بيوت الله، أم أذهب إلى أماكن أخرى لا ترضي الله سبحانه وتعالى؟ وبعد ذلك الجسد كله، هل أنا عاق لوالدي، إلخ.
هذا جانب الجوارح، وبعد ذلك جانب المعاملات: يصارح نفسه، زوجتي يوم القيامة هل سأكون ظالماً لها أم لا؟ أنظر هل أنا أعاملها كما كان يعامل الرسول صلى الله عليه سلم زوجاته، هل يتبسم في وجهها؟ هل يربت على يديها؟ هل يساعدها في عمل البيت أم يحملها فوق طاقتها؟ هل يلاحظ أنها في بعض أيام الشهر تكون نفسيتها متعبة، نتيجة التغيرات التي تحدث في جسمها وتكون عصبية؟ وهل تحملها أو لا؟ فأسال نفسي هل أنا ظالم أم غير ظالم؟ ثم بعد ذلك أبي وأمي هل أزورهما؟ أهل الخصومات والأقارب مثل الخالة والعمة هل أصلهم أم لا؟ أصدقائي الذين أجلس معهم، هل أنصحهم أم أتركهم؟ ثم بعد ذلك جانب الله عز وجل، هل يا ترى أنا أخاف من الله كثيراً؟ كم مقدار خوفي من الله سبحانه وتعالى؟ هل عندي أمل في رحمة الله أم عندي قنوط؟ ثم بعد ذلك القرآن، كم أقرأ من القرآن؟ هل أنا أتفكر في آيات القرآن أم مجرد قراءة؟ صلاتي كيف شكلها؟ هل أؤديها بركوع وخشوع وسجود وتواضع وعلى مهل؟ هل فيها صلة بالله؟ ثم بعد ذلك مالي، من أين اكتسبته، وهل أنفقته في الزكاة وفي الصدقة وفي الإكثار من الحسنات؟ تربية الأولاد، هل أربيهم على ما يرضي الله أم لا؟ البنت التي كبرت ماذا عملت بها؟ هل جئت لأولادي بمن يحفظهم القرآن؟ كل هذه العيوب تكتب في ورقة، واعمل لها منهاج عمل في جدول، وبعد ذلك ابدأ في الإصلاح، والعيب الذي تصلحه فألغه من الورقة، وإذا عاد العيب فاكتب العيب مرة أخرى.
فهذا لو جاء يوم القيامة قال الله عز وجل لمن يريد أن يحاسبه من الملائكة: يا ملائكتي! اتركوه لقد حاسب نفسه قبل أن نحاسبه، ووزن أعماله قبل أن توزن عليه، ادخلوه الجنة برحمتي.
فطالما أنت تعالج عيوبك أولاً بأول، فهذا هو الدين العملي، ولا بد أن تحول الدين إلى عمل، فالدين ليس كلاماً ولا دردشة.