للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتعليل المشقة، والمشقة جنس، وإسقاط قضاء الصلاة نوعٌ واحد، ويُستعمَل على صنفين، إسقاط قضاء الكل، وإسقاط قضاء البعض.

الحالة الرابعة: اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم، وذلك كتعليل كون حدِّ الشرب ثمانين بأنه مَظِنَّة القذف؛ لكونه مَظِنَّة الافتراء، فوجب أن يُقام مقامه قياساً على الخلوة فإنها لما كانت مَظِنَّة الوطء أُقيمت مقامه.

القسم الثاني: ما عُلِمَ إلغاء الشرع له.

والمقصود بالإلغاء: إيراد الأحكام على عَكْسِه (١).

ويُسمَّى هذا الوصف بـ: " المناسب المُلْغَى "، وفي تسميته بالمناسب تجوُّز؛ لأن المناسبة - هنا - متوهَمة، وقد شهد الشرع ببطلانها، فيُعَدُّ الوصفُ ساقطَ الاعتبار، ولا يصح تعليل الأحكام به (٢).

ومثاله: ما أفتى به يحيى الليثي (٣) أحدَ حكامِ الأندلس عندما سُئِل عن الكفارة المترتِّبة على إفطاره في نهار رمضان بالجماع عَمْداً، فأفتاه بوجوب صوم شهرين متتابعين، فلما أُنِكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبةٍ مع اتساع مالِهِ قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه واستحقر إعتاق رقبةٍ في جنب قضاء شهوته، فكانت المصلحة في إيجاب الصوم لينزجر به (٤).

فهذا الوصف الذي علَّلَ به الليثي فتواه وصفٌ ملغي؛ لأن الشارع لم يعتبره، حيث لم يفرِّق في الحُكْم بين مَلِكٍ وغيره، بل أوجب الكفارة مُرَتَّبَةً، فذكر العِتْقَ أَوَّلاً ثم الصيام ثانياً، فيكون تقديم الصوم على العِتْقِ على خلاف ما اعتبره الشارع، فيكون ساقطَ الاعتبار.


(١) ينظر: نهاية السول (٤/ ٩١)، نبراس العقول (١/ ٢٩٨).
(٢) ينظر: المحصول (٥/ ١٦٥)، الإحكام للآمدي (٣/ ٣٥٧)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (٢/ ٢٤٢)، نهاية السول (٤/ ٩١)، شرح المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٢٨٤)، شرح الكوكب المنير (٤/ ١٧٩).
(٣) هو: يحيى بن يحيى بن كثير بن وِسْلاس الليثي البربري المصمودي الأندلسي المالكي، عالم الأندلس وفقيهها في عصره، وصاحب الدرجة العليا في الحديث، توفي سنة (٣٦٧ هـ).

ينظر في ترجمته: الديباج المذهب (٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨)، شجرة النور الزكية (٦٣).
(٤) ينظر: الإحكام للآمدي (٣/ ٣٥٧)، نهاية السول (٤/ ٩٢ - ٩٣)، بيان المختصر للأصفهاني (٣/ ١٣٠)، شرح المحلي على جمع الجوامع (١/ ٢٨٤)، شرح الكوكب المنير (٤/ ١٨٠).

<<  <   >  >>