للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشهد له القلب، وتطمئن النفس إليه، وهذا أمرٌ باطنٌ لا يمكن إثباته على الخصم، فإنه إذا قال: غلب على ظني هذا، فللخصم أن يقول: لم يغلب على ظني، فَتَحَكُّمُ القلبِ إنما يجوز عند فقد الأدلة الظاهرة، وعند تصادم الأدلة وانقسام مسالكها؛ للضرورة الداعية إليه (١).

وأجيب عن ذلك: بأن الإخالة لا يقصد بها مجرد الظنّ، بل نقصد بها معنىً معقولاً ظاهراً يمكن إثباته على الجاحد بتبيين معنى المناسبة على وجهٍ مضبوط، فإذا أَبْدَاهُ المعلِّلُ فلا يُلْتَفَتُ إلى جحده، ولا يَلْزَمُ المُسْتَدِل إلا ذلك (٢).

المقارنة بين مذهب الجمهور ومذهب الحنفية:

ذهب جمهور الأصوليين إلى أن المناسبة تعتبر دليلاً على عِلِّيِّة الوصف المناسب، وذهب الحنفية إلى أن المناسبة لا تكفي في إثبات كون الوصف عِلَّةً، بل لابدَّ من إظهار التأثير بالنصِّ أو الإجماع.

وعند التأمل في حاصل المذهبين يتضح لي أنه لا خلاف حقيقي بين المذهبين في اعتبار المناسبة دليلاً على إثبات عِلَّية الوصف المناسب، وتقرير ذلك على النحو الآتي:

١ - اعتبر الحنفية المناسبة حُجَّةً في إثبات كون الوصف عِلَّةً بشرط تأثير الوصف، والتأثير - عندهم - يثبت باعتبارِ الشرعِ نوعَ الوصفِ في نوعِ الحُكْم أو جنسهِ، أو اعتبار جنسهِ في جنسِ الحُكْم أو نوعهِ.

والمناسبةُ بهذا المعنى حُجَّةٌ عند الحنفية (٣) والجمهور، لأن الوصف الذي عُلِمَ من الشرعِ اعتبارُ نوعِه في نوعِ الحُكْم أو جنسهِ، أو عُلِمَ من الشرعِ اعتبارُ جنسِه في جنسِ الحُكْم أو نوعهِ، هو المناسب الذي يصلح أن يكون


(١) ينظر: تقويم الأدلة (٣١١)، كشف الأسرار (٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨).
(٢) ينظر: شفاء الغليل (١٤٣)، الإحكام للآمدي (٣/ ٣٣٩)، البحر المحيط للزركشي (٥/ ٢٠٦ - ٢٠٧)، إرشاد الفحول (٢/ ٨٩٨).
(٣) ينظر: التقرير والتحبير (٣/ ١٥٩)، تيسير التحرير (٣/ ٣٢٥ - ٣٢٦)، فواتح الرحموت (٢/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>