للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإسنوي: " وحينئذٍ فحيث ثبت حُكْمٌ في صورةٍ، وهناك وصفٌ مناسبٌ له متضمِّنٌ لمصلحة العبد، ولم يوجد غيره من الأوصاف الصالحة للعِلِّية، غلب على الظنِّ أنه عِلَّةً له؛ لكون الأصلِ عدمُ غيره، وإذا ثبت أنه عِلَّةً ثبت أن المناسبة تفيد العِلِّية " (١).

ثالثاً: إجماع الصحابة على العمل بمعنى المناسبة، فقد كانوا يُلْحِقون غيرَ المنصوص بالمنصوص إذا غلب على ظنِّهم أنه يضاهيه لمعنىً أو يشبهه.

قال إمام الحرمين: " كلُّ حُكْمٍ أَشْعَرَ بعِلَّةٍ ومقتضى، ولم يدرأه أصلٌ في الشرع، فهو الذي يُقْضَى بكونه معتبر النظر، فإن الشارع ما أشار إلى جميع العِلَل، واستنبط نُظَّار الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يتلقون نظرهم مما ذكرتُه قطعاً " (٢).

وبهذه الأدلة يتقرر عند جمهور الأصوليين أن الحُكْم الشرعي إذا ثبت في أصلٍ، ولم تثبت عِلَّتُه بنصٍّ أو إيماءٍ أو إجماعٍ، وغلب على ظنِّ المجتهد وجودُ وصفٍ مناسبٍ يحصل من ترتيب الحُكْم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من جلب مصلحةٍ أو دفع مفسدة، ولم يوجد غيرُه من الأوصاف الصالحة للعِلِّية، فإن المناسبة تعتبر في هذه الحالة دليلاً على إثبات كون ذلك الوصف عِلَّةً لذلك الحُكْم.

وذهب الحنفية إلى أن المناسبة لا تكفي في إثبات كون الوصف عِلَّةً، بل لابد من إظهار التأثير بالنصِّ أو الإجماع (٣).

ومقصودهم بالتأثير: أن يثبت بنصٍّ أو إجماعٍ اعتبارُ عين الوصف أو جنسه في عين الحُكْم أو جنسه (٤).

واستدلوا على ذلك: بأن الإخالة يرجع حاصلُها إلى ما يقع في النفس،


(١) نهاية السول: (٤/ ٩٨).
(٢) البرهان: (٢/ ٨٠٤ - ٨٠٥).
(٣) ينظر: أصول السرخسي (٢/ ١٧٧)، التقرير والتحبير (٣/ ١٥٩)، شرح التلويح على التوضيح للتفتازاني (٢/ ١٥٨)، فواتح الرحموت (٢/ ٣٥٢ - ٣٥٣).
(٤) ينظر: التوضيح شرح التنقيح (٢/ ١٥٣ - ١٥٤)، التقرير والتحبير (٣/ ١٥٩)، فواتح الرحموت (٢/ ٣٥٢).

<<  <   >  >>