للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في نفسه بحسب وقتٍ دون وقت، وحالٍ دون حال، وشخصٍ دون شخص (١).

وذلك لأن النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزانٍ واحد، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك، فَرُبَّ عملٍ صالحٍ - غير لازم - يدخل بسببه على شخصٍ ضررٌ أو فترة، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر، وَرُبَّ عملٍ يكون حظُّ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عملٍ آخر، ويكون بريئاً من ذلك في بعض الأعمال دون بعض (٢).

ولما كانت النفوس تختلف مقاصدها، وتتفاوت مداركها، وتتباين قوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها، كان اللائق بالمقصود الشرعي في تلقي التكاليف أن يحمل على كلِّ نفسٍ من أحكام الشرع ما يليق بها ويصلحها (٣).

وهذه الصورة من تحقيق المناط الخاص تقتصر على التكاليف الشرعيَّة غير اللازمة، ولهذا صرَّح الشاطبي بأن هذا النوع من النظر يختصُّ بغير المنحتم من التكاليف (٤)، وذلك باعتبار أن التكاليف اللازمة إذا وُجِدَ شرطها وانتقى مانعها فإنها لا تختلف باختلاف الأزمنة والأحوال والأشخاص، فالمكلَّفون فيها سواءٌ كما تقدَّم (٥).

ومن الأمثلة على ذلك: إذا تحقَّق المجتهد من عدالة مكلَّفٍ ما، فإن هذا لا يكفي في توليته المناصب الشرعيَّة كالقضاء والإمامة والجهاد؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص في استعداداتهم العلمية والنفسية والجسدية، وإلا لم يحصل المقصود من تلك الولايات، فلابد أن يتعرف منه على ما يحقق مصالحها على أتمِّ وجه، كما أنه لابدَّ من أن يتعرف على مداخل الشيطان


(١) ينظر: الموافقات (٥/ ٢٥).
(٢) ينظر: المرجع السابق (٥/ ٢٥).
(٣) ينظر: المرجع السابق (٥/ ٢٥).
(٤) ينظر: المرجع السابق (٥/ ٢٥).
(٥) ينظر: (٢٠٤).

<<  <   >  >>