للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والهوى والحظوظ العاجلة، وإلا عادت عليه تلك الولاية بفساد آخرته (١).

ولما كان هذا النوع من تحقيق المناط يتعلق بالنظر إلى كلِّ واقعةٍ بعينها، وكلِّ مكلَّفٍ بخصوصه في حالٍ دون حالٍ ووقتٍ دون وقتٍ، اعتُبِر من أدقِّ أنواع الاجتهاد في الشريعة، وهو ناشئٌ بعد تحصيل شرائطه عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩] ومن رُزِق هذا النظر فقد أوتي الحكمة، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩] كما أشار إلى ذلك الشاطبي رحمه الله (٢).

وهذا النوع من تحقيق المناط بُنِيَ الاجتهاد فيه على النظر في الأدلة الدالة على الأحكام مع اعتبار التوابع والإضافات الطارئة عليها، حيث إن اقتضاء الأدلة للأحكام بالنسبة إلى محالِّها ينقسم إلى قسمين (٣):

القسم الأول: الاقتضاء الأصلي قبل أن تطرأ العوارض، وهو الواقع على المحلِّ مجرَّداً عن التوابع والإضافات، كالحُكْم بإباحة الصيد، والبيع، وسُنَّية النكاح.

والقسم الثاني: الاقتضاء التبعي، وهو الواقع على المحلِّ مع اعتبار التوابع والإضافات، كالحُكْم بإباحة النكاح لمن لا أَرَبَ له في النساء، ووجوبه على مَنْ خشي العَنَت.

فالنظر في تحقيق مناط الأشخاص يتعلق بالنظر إلى مكلَّفٍ بعينه وما يصلحه في نفسه، بحسبٍ وقتٍ دون وقتٍ، وحالٍ دون حال، وهذا مبنيٌّ على النظر إلى الأدلة الدالة على الأحكام مع اعتبار التوابع والإضافات التي طرأت عليها.


(١) ينظر: الموافقات (٥/ ٢٥).
(٢) ينظر: الموافقات (٥/ ٢٣ - ٢٤).
(٣) ينظر: المرجع السابق (٣/ ٢٩٢).

<<  <   >  >>