للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الغزالي: " وهذا النوع لا خلاف بين الأُمَّة في قبوله، وهو ضرورة كلِّ شريعة؛ لاستحالة التنصيص على عدالة كلِّ شخصٍ وكفايته، وهو نوع اجتهادٍ وليس بقياس؛ لأنه لا خلاف فيه، أما القياس فقد جرى فيه الخلاف " (١).

ونقل الزركشي عن العبدري أنه نازع الغزالي بأن الخلاف ثابتٌ فيه بين من يثبت القياس وينكره؛ لرجوعه إلى القياس (٢).

ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن نفاة القياس لابدَّ أن يعملوا بمقتضى الاجتهاد في تحقيق المناط إذا كان المناط معلوماً بنصٍّ أو إجماع؛ لأنه لا يمكن إثبات حُكْم النوع أو العين إلا بمثل هذا النوع من الاجتهاد، وهو لا يُسمَّى قياساً عند القائلين به إذا كان المناط معلوماً ثبت بنصٍّ أو إجماع، وإن سُمِّيَ قياساً كان نزاعاً لفظياً؛ لأن من لم يصطلح على تسميته بالقياس اعتبر أن حُكْم الفرع مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته، لذلك أقرَّ به جماعةٌ من مُنْكِرِي القياس (٣).

قال ابن بدران الدمشقي: " والحقُّ أنَّ الذين نفوا القياس لم يقولوا بإهدار كلِّ ما يُسمَّى قياساً، وإن كان منصوصاً على عِلَّته أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق، وما كان من باب فحوى الخطاب أو لَحْنِه على اصطلاح من يُسمِّي ذلك قياساً، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته " (٤).

أما إذا كان المناط عِلَّةً ثبتت بالاستنباط فقد اتفق القائلون بالقياس على


(١) شفاء الغليل: (٤٠٩).
(٢) ينظر: البحر المحيط (٥/ ٢٥٦).
(٣) ينظر: أساس القياس (٤٢)، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٧/ ٣٣٧)، التحبير شرح التحرير (٣٤٥٤)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٢٠٢)، نشر البنود (٢/ ٢٠٨)، نثر الورود (٢/ ٥٢٤ - ٥٢٥)).
(٤) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: (٣٠٥).

<<  <   >  >>