للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصور الحادثة إلا وللمجتهد فيها نظرٌ حتى يحقِّق تحت أيِّ دليلٍ تدخل، ولو لم يكن ذلك مشروعاً لما تحقَّق معنى العموم في الشريعة مع تجدُّد الأزمنة والأمكنة والأحوال، وتعدُّد الوقائع والحوادث.

قال ابن تيمية: " فالكتاب والسُّنَّة بيَّنا جميعَ الأحكام بالأسماء العامة، لكن يُحتاج إدخال الأعيان في ذلك إلى فهمٍ دقيقٍ ونظرٍ ثاقب لإدخال كلِّ معيَّنٍ تحت نوع، وإدخال ذلك النوع تحت نوعٍ آخر بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ فكلٌّ من الحوادث شملها خطابُ الشارع، وتناولها الاعتبار الصحيح، وخطاب الشارع العام الشامل دلَّ عليها بطريق العموم الذي يرجع إلى تحقيق المناط " (١).

الدليل الثاني: إن المقصود من تقرير الأحكام الشرعيَّة تنزيلها على الوقائع والأشخاص المعينة في كلِّ زمانٍ ومكان، ولا يمكن تصوُّر ذلك إلا بالاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام.

قال الشاطبي: " المقصود من وضع الأدلة تنزيل أفعال المكلَّفين على ... حسبها" (٢).

ولو فُرِضَ عدم صحة العمل بالاجتهاد في تحقيق المناط لبقيت الأحكام الشرعيَّة مُطْلَقَةً لا تُتَصَوُّر إلا في الأذهان، ولا وجود لها في الخارج.

قال الشاطبي: " ولو فُرِضَ ارتفاع هذا الاجتهاد لم تُنَزَّل الأحكام الشرعيَّة على أفعال المكلَّفين إلا في الذهن؛ لأنها مُطْلَقاتٌ وعمومات، وما يرجع إلى ذلك مُنَزَّلاتٌ على أفعالٍ مطلقاتٍ كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مُطْلَقَة، وإنما تقع مُعَيَّنَةً مُشَخّصَةً، فلا يكون الحُكْم واقعاً عليها إلا بعد معرفةٍ بأن هذا المُعَيَّن يشمله ذلك المُطْلَق أو ذلك العام " (٣).


(١) درء تعارض العقل والنقل: (٧/ ٣٤٢ - ٣٤٣).
(٢) الموافقات: (٣/ ٢١٧).
(٣) المرجع السابق: (٥/ ١٧).

<<  <   >  >>