للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تغيَّرت العادة، وصار ذلك محبوباً موجباً لزيادة الثمن لم تُرَدَّ به، وبهذا القانون تُعتَبر جميع الأحكام المترتِّبة على العوائد، وهو تحقيقٌ مُجْمَعٌ عليه بين العلماء، لا خلاف فيه " (١).

وهذه القاعدة ليست على إطلاقها، إنما تختصُّ بالأحكام الاجتهادية التي تُبْنَى على المصلحة المرسلة أو العوائد المُعْتَبرة؛ لأن وجوه المصالح والعوائد تتغيَّر بتغيُّر الأزمنة والأمكنة، أما الأحكام الثابتة بالنصِّ أو الإجماع كأصول الدين، وأركان الإسلام، وما عُلِمَ من الدِّين بالضرورة، والحدود، والمقدَّرات الشرعيَّة، ونحو ذلك، فإنها لا تتغيَّر بتغيُّر الأزمنة والأمكنة، وإلا أدَّى ذلك إلى إبطال الشرع بتحريم ما أحلَّ الله، أو تحليل ما حرَّم الله، تحت دعوى تغيُّر الأحكام بتغيُّر الأزمنة والأمكنة (٢).

وقد ذكر الشاطبي أن العادات على ضربين (٣):

أحدهما: العوائد الشرعيَّة التي أقرَّها الدليل الشرعي أو نفاها، ومعنى ذلك أن يكون الشرع أَمَرَ بها إيجاباً أو ندباً، أو نهى عنها كراهةً أو تحريماً، أو أَذِنَ فيها فعلاً أو تركاً.

والثاني: العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه ولا اتباعه دليلٌ شرعي.

فأمَّا الأول فثابتٌ أبداً كسائر الأمور الشرعيَّة، كالأمر بإزالة النجاسات، وستر العورات، فهذه العادات لا تبديل لها.

وأما الضرب الثاني فمنها: ما يكون مُتَبَدِّلاً في العادة من حُسْن إلى قُبْحٍ والعكس، مثل كشف الرأس، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيحٌ في البلاد المشرقية، وغير قبيحٍ في البلاد المغربية،


(١) أنوار البروق في أنواء الفروق: (١/ ١٧٦).
(٢) ينظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (١/ ٣٣٠)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (١/ ٢٤٣)، نشر العُرْف (٢/ ١٢٥) ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (١/ ٤٣)، المدخل الفقهي العام للزرقا (٢/ ٩٤١).
(٣) ينظر: الموافقات (٢/ ٤٨٨ - ٤٩١).

<<  <   >  >>