للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأنه أصل الأدلة , وكلُّها ترجع إليه , فهي إما تابعةٌ له، أو متفرِّعةٌ عنه (١).

قال أبوبكر الجصاص (٢): " فما بيِّنه الرسولُ فهو عن الله عز وجل , وهو من تبيان الكتاب له؛ لأمر الله إيانا بطاعته , واتباع أمره , وما حصل عليه الإجماع فمصدره أيضاً عن الكتاب؛ لأن الكتاب قد دلَّ على صحة حُجِّيته الإجماع, وأنهم لا يجتمعون على ضلال , وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الاستدلال من الاستحسان وقبول خبر الواحد جميع ذلك من تبيان الكتاب؛ لأنه قد دلَّ على ذلك أجمع , فما من حُكْمٍ من أحكام الدِّين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا" (٣).

وقال الغزالي " إذا حقَّقنا النظر بان أن أصل الأحكام واحد، وهو قول الله تعالى؛ إذ قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس بحُكْمٍ ولا ملزم، بل هو مُخْبِرٌ عن الله تعالى أنه حَكَم بكذا وكذا , فالحُكْم لله تعالى وحده, والإجماع يدل على السُّنة، والسُّنَّة على حُكْم الله تعالى " (٤).

وقال الآمدي في سياق كلامه عن أنواع الأدلة: " وكلُّ واحدٍ من هذه الأنواع، فهو دليلٌ لظهور الحُكْم الشرعي عندنا به , والأصل فيها إنما هو الكتاب ; لأنه راجعٌ إلى قول الله تعالى المشرِّع للأحكام، والسُّنَّة مُخْبِرةٌ عن قوله تعالى وحُكْمِه، ومستندُ الإجماع فراجعٌ إليهما , وأما القياس والاستدلال فحاصله يرجع إلى التمسك بمعقول النصِّ أو الإجماع، فالنصُّ والإجماع أصل، والقياس والاستدلال فرعٌ تابعٌ لهما " (٥).


(١) ينظر: قواطع الأدلة (١/ ٣٢) , شرح مختصر الروضة للطوفي (٢/ ٨٠٧)، الموافقات (٤/ ١٨٢)، البحر المحيط للزركشي (١/ ٤٤١)، التجيير شرح التحرير (٣/ ١٢٣١). .
(٢) هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، من أهل الرأي، سكن بغداد ومات فيها، انتهت إليه رئاسة الحنفية في عصره، وخوطب ي أن يلي القضاء فامتنع، من مؤلفاته: أصول الفقه (ط)، وأحكام القرآن (ط)، توفي سنة (٣٧٠ هـ).

ينظر في ترجمته: الجواهر المضيئة (١/ ٢٢٠)، الفوائد البهية (٢٨)، الأعلام للزركلي (١/ ١٧١).
(٣) أحكام القرآن: (٣/ ٢٤٦).
(٤) المستصفى: (٢/ ٢).
(٥) الإحكام: (١/ ٢١٢).

<<  <   >  >>