للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الغزالي: " ومُدْرَكُه - أي: تنقيح المناط - شواهد الشرع" (١).

وعلى هذا فإن مناط الحُكْم لايتجرَّد ويتلخَّص متميزاً بحدِّه على كلِّ مالا يُعْتَبر فيه, وجامعاً لكلِّ ماهو معتبرٌ فيه "إلا بالتوقيف والتعريف من جهة الشرع" (٢).

وجهة الشرع منحصرةٌ في الكتاب والسُّنَّة نصَّاً ودلالة , وبهذا تكون السُّنَّة القولية والفعلية والتقريرية من أدلة تنقيح المناط.

والاستدلال بالسُّنَّة على تنقيح مناطات الأحكام لايقتصر على دلالة النصِّ فحسب, بل يشمل دلالات الألفاظ بأنواعها , والأفعال, وقرائن الأحوال , وتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم التي جرت مجرى العادة في الأحكام إثباتاً ونفياً.

قال الغزالي: " تعريفات الشارع مختلفةٌ بالإضافة إلى ما به التعريف؛ فتارةً يُعْرَفُ بالقول وتارةً بالفعل، ثم إذا عُرِفَ لا بالقول: تارةً يكون بإشارةٍ، وتارةً بسكوتٍ، وتارةً باستبشارٍ، وتارةً بإظهار آثار كراهيةٍ، وعلى الجملة: قرائن أحواله في تصريفاته وإشاراته وهيئة وجهه في الفرح والكراهية يجوز أن تكون معرِّفاتٍ جاريةً في إفادة التعريف مجرى القول، فيكون ذلك توقيفاً .. " (٣).

ومن الأمثلة على ذلك:

- أن السُّنَّة جاءت بأحكامٍ كثيرةٍ تتعلَّق بالعتق: من تطرق القرعة إليه , واستحقاقه بسبب القرابة , وكيفية نفوذه من المريض , وكيفية تعلُّق الولاية , وكيفية كونه سبباً في الولاية , ونحو ذلك , والسُّنَّة في تلك الأحكام كلها تُجْرِي الذكورَ مجرى الإناث , ولاتلتفت إلى الاختلاف بينهما أصلاً , فعدم تعرُّض السُّنَّة لهذا الاختلاف في تلك الأحكام دليلٌ على أن مدخل الذكورة


(١) شفاء الغليل: (٤٣٠).
(٢) أساس القياس: (٥٢).
(٣) المرجع السابق: (٥٢).

<<  <   >  >>