للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصل هو المُثْبِت للحُكْم , ولولا دليل الأصل لكان ذلك إثباتاً للشرع بالتحَكُّم (١).

ثم إن المساواة بين الفرع والأصل في عِلَّة الحُكْم إذا لم تظهر لم يُعْتَبر ذلك قياساً؛ لأنها خفيَّةٌ لم تُعْلَم , فالمساواة هي الأصل الذي بَنَى عليه القائس تصرَّفه الاجتهادي , والمجتهد لايعطي حُكْمَاً بمجرَّد نظره , بل يتبيَّن المساواة بين الفرع والأصل في عِلَّة الحُكْم , وذلك بالطرق المُعْتَبرة شرعاً, فإذا ثبتت عنده المساواة أظهرها وأثبتها, وألْحَقَ الفرع بالأصل في حُكْمِه.

قال التفتازاني: " واعلم أن القياس وإن كان من أدلة الأحكام مثل الكتاب والسُّنَّة لكن جميع تعريفاته واستعمالاته منبئٌّ عن كونه فعل المجتهد , فتعريفه بنفس المساواة محلُّ النظر" (٢).

والأظهر " أن أكثر الأصوليين إنما عرَّفوه بما هو فعل المجتهد, وإن كان الدليل في الحقيقة هو الاشتراك في العِلَّة؛ لأن جميع استعمالاته تنبئ عن كونه فعل المجتهد , ولعل السِرَّ في كونه استُعمِل كذلك أنه بهذا الاعتبار هو محلُّ القبول والردّ , وأما مجرَّد المساواة من غير نظر المجتهد فلا اعتداد بها, ولا يترتَّب عليها شيء" (٣).

ومما يدل على ذلك:

- ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: بم تَحْكُم؟ قال: بكتاب الله, قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: بسُنَّة رسول الله, قال: فإن لم تجد في سُنَّة رسول الله؟ قال: أجتهدُ رأيي ولا آلو, فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يرضاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" (٤).

- ما جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري قوله:


(١) ينظر: المحصول (٥/ ٦).
(٢) حاشية التفتازاني على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب: (٢/ ٢٠٥).
(٣) نبراس العقول: (١/ ٣١).
(٤) سبق تخريجه: (٢٢).

<<  <   >  >>