للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثبتنا حُكْمَاً بالقياس، فقد يعلم المجتهد ثبوت ذلك الحُكْم في الفرع قطعاً، وقد يظنّه ظنَّاً، وقد يعتقده اعتقاداً، والعلم والظن والاعتقاد مشترِكةٌ في كونها إثباتاً (١).

وقوله: "مثل حُكْمِ معلومٍ" لأن حُكْم الفرع ليس هو نفس حُكْم الأصل، إذ الحُكْم وصفٌ لمحلِّه، ووصف أحد المحلِّيْن ليس وصفاً للآخر، فتحريم الخمر ليس هو نفس تحريم النبيذ، بل هو مثله (٢).

وقوله: "حُكْمِ معلومٍ لمعلوم" ليتناول الموجود والمعدوم، ولم يقل: حُكْم شيءٍ لشيء؛ لئلا يختصَّ بالموجود على أصل أن المعدوم ليس بشيء، والقياس الشرعي جارٍ في الموجود والمعدوم والمُثْبَت والمنفي (٣).

وقوله: "لاشتراكهما في عِلَّة الحكم" ظاهر؛ لأن القياس لايوجد بدون عِلَّة , واحتُرِز بذلك عن إثبات مثل حُكْمِ معلومٍ في معلومٍ آخر لا للاشتراك في العِلَّة, بل لدلالة نصٍّ أو إجماعٍ فإنه لا يكون قياساً (٤).

وقوله: "عند المُثْبِت" ليشمل القياس الصحيح والفاسد؛ وذلك لأن العِلَّة قد تكون منصوصةً، وقد تكون مُستنبَطةً، كعِلَّة الرِّبا المُستخْرَجة من تحريم الرِّبا في الأعيان الستة بطريق تخريج المناط، وهل هي الكيل، أو الطعم، أو الوزن، أو الاقتيات؟ وقد ذهب إلى كلِّ واحدةٍ منها بعض المجتهدين، ومراد الشرع إنما هو واحدةٌ منها، فلو اقتصرنا على قولنا: "لاشتراكهما في عِلَّة الحكم " لكان بتقدير أن تكون العِلَّة المرادة من الحديث هي الكيل، يكون التعليل بغيرها قياساً فاسداً خارجاً عن الحدِّ المذكور؛ لأنه بغير العِلَّة المرادة للشارع، فإذا قلنا: لاشتراكهما في عِلَّة الحُكْم عند المُثْبِت- وهو القائس- كان إثبات كلِّ مجتهدٍ للحُكْم بالوصف الذي رآه عِلَّةً قياساً شرعياً داخلاً في الحدِّ المذكور (٥).


(١) ينظر: شرح تنقيح الفصول (٣٨٣) , نهاية السول (٤/ ٢ - ٣) , الإبهاج (٣/ ٣).
(٢) ينظر: شرح تنقيح الفصول (٣٨٤) , نهاية السول (٤/ ٣) , الإبهاج (٣/ ٣).
(٣) ينظر: نهاية السول (٤/ ٣) , الإبهاج (٣/ ٣ - ٤).
(٤) ينظر: شرح تنقيح الفصول (٣٨٣ - ٣٨٤) , نهاية السول (٤/ ٣) , الإبهاج (٣/ ٤).
(٥) ينظر: شرح تنقيح الفصول (٣٨٣ - ٣٨٤) , نهاية السول (٤/ ٣) , الإبهاج (٣/ ٤).

<<  <   >  >>