للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استصحاب الحال إلا بدليلٍ شرعيٍّ ينقله عنه , فإن وجد دليلاً من أدلة الشرع انتقل عنه, سواءٌ كان ذلك الدليل نُطْقاً أو مفهوم نصٍّ أو ظاهراً؛ لأن هذه الحال إنما استصحبها لعدم دليلٍ شرعي , فأيُّ دليلٍ ظهر من جهة الشرع حَرُم عليه استصحاب الحال بعده " (١).

وهذا يستلزم بذل الجهد في البحث والطلب عن معاني النصوص ومناطات الأحكام, حتى يتحقَّق للمجتهد العلمُ أو الظنُّ الغالب إما بانتفاء الدليل المغيِّر للحُكْم فيستند - حينئذٍ- إلى دليل الاستصحاب , أو بوجود الدليل الناقل عنه , فيَحْرُم حينئذٍ العمل بالاستصحاب , ويجب المصير إلى مقتضى الدليل الناقل عنه (٢).

قال ابن القيم: " وبالجملة فالاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل، فإن قطعَ المستدلُّ بانتفاء الناقل قطعَ بانتفاء الحكم، كما يقطع ببقاء شريعة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأنها غير منسوخة، وإن ظنَّ انتفاء الناقل أو ظنَّ انتفاء دلالته ظنَّ انتفاء النقل" (٣).

وبهذا يكون الاستصحاب قطعياً إذا قُطِع بانتفاء الدليل الناقل , ويكون الاستصحاب ظنيَّاً إذا ظُنَّ انتفاء الدليل الناقل.

والقطع بانتفاء الدليل المغيِّر للحُكْم , أو دعوى غلبة الظنِّ في ذلك , لا تُقبَل إلا من الباحث المجتهد المطَّلِع على مدارك الأدلة القادر على الاستقصاء.

قال الغزالي: " يجوز للباحث المجتهد المطَّلِع على مدارك الأدلة القادر على الاستقصاء، كالذي يقدر على التردُّد في بيته لطلب متاعٍ إذا فتش وبالغ أمكنه أن يقطع بنفي المتاع أو يدِّعي غلبة الظنّ، أما الأعمى الذي لا يعرف البيت ولا يُبْصِر ما فيه فليس له أن يدَّعي نفي المتاع من البيت" (٤).


(١) الفقيه والمتفقه: (١/ ٥٢٦).
(٢) ينظر: المستصفى (٢/ ٤١٠ - ٤١١) , الإبهاج (٣/ ١٧٠).
(٣) إعلام الموقعين: (٣/ ١٠٥).
(٤) المستصفى: (٢/ ٤٠٨ - ٤٠٩).

<<  <   >  >>