للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعظيمهم، وقوة مآخذهم دون غيرهم، وكِبَرِ شأنهم في الشريعة، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه " (١).

ومن صور ذلك: بيانهم لمعاني الكتاب والسُّنَّة.

قال الشاطبي: " فإذا جاء في القرآن أو في السُنَّة من بيانهم ما هو موضوعٌ موضعَ التفسير، بحيث لو فرضنا عدمه لم يُمْكِن تنزيل النصِّ عليه على وجهه؛ انحتم الحُكْم بإعمال ذلك البيان" (٢).

وأقوال الصحابة وأعمالهم أحسَن مايستدلُّ به على معاني الكتاب والسُّنَّة.

قال ابن تيمية: " انظر في عموم كلام الله ورسوله لفظاً ومعنى، حتى تعطيه حقه، وأحسَن ما تستدلَّ به على معناه: آثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده، فإنَّ ضَبْطَ ذلك يوجب توافق أصول الشريعة وجريها على الأصول الثابتة" (٣).

ولهذا كان من عادة الإمام مالك بن أنس في "موطَّئه" الإتيان بالآثار عن الصحابة مبيِّناً بها السُّنن، وما يُعْمَل به منها وما لا يُعْمَل به، وما يُقَيَّد به مطلقاتها، أو يُخْصَّص بها عمومها (٤).

ومن الأمثلة التي أوردها الشاطبي على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر" (٥)؛ فهذا التعجيل يحتمل أن يُقْصَد به إيقاعه قبل الصلاة، ويحتمل أن لا؛ فكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما يصلِّيان المغرب قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة؛


(١) الموافقات: (٤/ ٤٥٧).
(٢) الموافقات: (٤/ ١٣٢).
(٣) القواعد النورانية: (٢٢٣).
(٤) ينظر: الموافقات (٤/ ١٣١).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه" , كتاب الصوم , باب تعجيل الفطر, رقم (١٩٥٧) , وأخرجه مسلم في صحيحه, كتاب الصيام ,باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر, رقم (١٠٩٨) , من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>