للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن القياس تابعٌ للعِلَّة على الخصوص، والاستحسان تابعٌ للدليل على العموم" (١).

رابعاً: من ضوابط تحقيق المناط اعتبار مآلات الأفعال في الأحكام كما تقدَّم (٢) , والاستحسان يرجع إلى النظر في مآلات الأفعال.

وقد صرَّح الشاطبي بأن قاعدة الاستحسان مبنيةٌ على أصل النظر في مآلات الأفعال , فقال: " ومما ينبني على هذا- أي: النظر في مآلات الأفعال- قاعدة الاستحسان" (٣).

فإذا كان موجِب الدليل في واقعةٍ ما يفضي إلى مآلٍ يتعارض مع مقصود الشارع من تحصيل أعظم المصالح ودرء أشدِّ المفاسد , فإن المجتهد يعدل -حينئذٍ- عن الأخذ بمقتضى ذلك الدليل , ويعمل بالدليل الأقوى ,وهو المصلحة المُعْتَبرة شرعاً.

وذلك "لأنَّا لو بقينا مع أصل الدليل العام لأدَّى إلى رفع ما اقتضاه ذلك الدليل من المصلحة، فكان من الواجب رعي ذلك المآل إلى أقصاه" (٤).

وهذه المصلحة في الأصل تعود إلى اعتبار لوازم الأدلة وتحقيق مناطاتها كما قصد الشارع من وضعها.

قال الشاطبي: " الاستحسان غير خارجٍ عن مقتضى الأدلة، إلا أنه نظرٌ إلى لوازم الأدلة ومآلاتها" (٥).

ومن الأمثلة التي توضح ذلك: تضمين الأجير المشترك , حتى لايلحق الضرر بأموال الناس , فالأصل أنه مؤتَمَن , والأمين لايضمن إلا بالتعدِّي , ولكن لما فسدت الذمم , وغلب على الأُجَرَاء الخيانة والتعدِّي , كان المُعتبَر استحساناً تضمينه, حتى لايدَّعي تلف الأشياء بحُجَّة أنه لايضمن , وهو اجتهادٌ متفِقٌ مع مقاصد الشرع في حفظ الأموال (٦).


(١) شرح مختصر الروضة للطوفي: (٣/ ٢٠٢)
(٢) ينظر: (٢٣٦ - ٢٤٠).
(٣) الموافقات: (٥/ ١٩٣).
(٤) الموافقات: (٥/ ١٩٥).
(٥) الموافقات (٥/ ١٩٨ - ١٩٩).
(٦) ينظر: المجموع للنووي (١٥/ ٩٦) ,المغني لابن قدامة (٥/ ٣٨٨ - ٢٨٩) ,بدائع الصنائع (٤/ ٢١١) ,بداية المجتهد (٤/ ١٧) , الموافقات (٥/ ١٩٦).

<<  <   >  >>