للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منفذاً إلى الجوف، فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف .. " (١).

وقال ابن قدامة: "فيُفطِر بكلِّ ما أدخله إلى جوفه أو مجوَّفٍ في جسده، كدماغه وحلقه ونحو ذلك، مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرُّز منه، سواءٌ وصل من الفمّ على العادة، أو غير العادة كالوجور واللدود، أو من الأنف كالسُّعوط، أو ما يدخل في الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل، أو ما يدخل إلى الجوف من الدُّبُر بالحقنة، أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه، أو من دواء المأمومة إلى دماغه، فهذا كله يُفَطِّرُه؛ لأنه واصلٌ إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل، وكذلك لو جرح نفسَه أو جرحه غيرُه باختياره فوصل إلى جوفه، سواءٌ استقر في جوفه أو عاد فخرج منه" (٢).

وقال الرافعي (٣): "من اسباب الفطر دخول الشئ جوفَه , وقد ضبطوا الداخل الذى يُفَطِّر بالعين الواصل من الظاهر إلى الباطن في منفذٍ مفتوحٍ عن قصدٍ مع ذكر الصوم" (٤).

وقال القرافي عند بيانه حقيقة الصوم: " وهي: الإمساك عن دخول كلِّ ما يمكن الاحتراز منه غالباً من المنافذ المحسوسة كالفمّ والأنف والأذن إلى المعدة." (٥).

والتحقيق أن أدلة الكتاب والسُّنَّة الواردة في ذلك إنما تدلُّ على فساد الصوم بالأكل أوالشرب , فيُلحَق بهما مافي معناهما مما يتغذَّى به البدن ويتقوَّى , وماسوى ذلك لايُطلَق عليه أكل ولاشربٌ , وليس هو في معناهما لاعرفاً ولا لغةً؛ وذلك لأن المنطوق به هو المغذِّي , فلايقاس عليه غير المغذِّي.

قال ابن حزم: "إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل، والشرب،


(١) بدائع الصنائع: (٢/ ٩٣).
(٢) المغني: (٤/ ٣٥٢ - ٣٥٣).
(٣) هو: عبدالكريم بن محمد بن عبدالكريم، أبو القاسم، الرافعي، القزويني، من كبار فقهاء الشافعية، من
مؤلفاته: فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي (ط)، والتدوين في ذكر أخبار قزوين، وشرح مسند الشافعي، وغيرها، توفي سنة (٦٢٣ هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٨/ ٢٨١)، شذرات الذهب (٥/ ١٠٨)، الأعلام
للزركلي (٤/ ٥٥).
(٤) فتح العزيز بشرح الوجيز: (٦/ ٣٥٩).
(٥) الذخيرة: (٢/ ٥٠٤).

<<  <   >  >>