[باب ما يكره من النياحة على الميت]
قال البخاري رحمه الله تعالى: [باب: ما يكره من النياحة على الميت.
وقال عمر رضي الله عنه: دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع أو لقلقة، والنقع التراب على الرأس، واللقلقة الصوت]، فـ عمر رضي الله عنه قد وافق على البكاء، بشرط ألا يكون منه نقع أو لقلقة.
قال البخاري رحمه الله: [حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من نيح عليه يعذب بما نيح عليه)]، فعلاقة هذا الحديث بالأول: أن المغيرة أراد أن يقول: أنا لا أكذب على رسول الله؛ لأنني سمعته يقول: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد)، ولكنه قال: (من نيح عليه يعذب بما نيح عليه)، فهو رضي الله عنه أراد بهذا الحديث أن يؤكد أنه قد سمعه سماعاً أكيداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري: [حدثنا عبدان قال: أخبرني أبي عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)]، وهذا هو مقصود الحديث الأول، أي: أنهم فسروا البكاء بمعنى: النياحة.
تابعه عبد الأعلى: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة، وقال آدم عن شعبة: (الميت يعذب ببكاء الحي عليه).
ثم قال البخاري: [من طريق جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: جيء بأبي يوم أحد -مات شهيداً في الغزوة ومثل به المشركون، فجدعوا أنفه ومثلوا بجثته- قد مثل به، حتى وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سجي ثوباً]، أي: غطي بثوب، وفيه جواز تغطية الميت، ومشروعية كشف الوجه بعد ذلك؛ لأن جابراً قد كشف عن وجه أبيه ونظر إليه.
قال: [فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه فنهاني قومي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع، فسمع صوت صائحة، فقال: (من هذه؟)، فقالوا: ابنة عمرو، أو أخت عمرو -يعني: عمة جابر - قال: (فلم تبكي؟ أو: لا تبكي، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)].
وفي هذا بيان من البخاري: أن بكاء المرأة على أخيها مشروع، لكن الذي يموت بهذه الطريقة يستحق الفرح لا لحزن، لا سيما وأن الملائكة تظله بأجنحتها.
قال بعضهم: ربما نهاها حتى يقطع عليها الطريق إلى النياحة، والله تعالى أعلم.