حكم صلاة المأمومين جلوساً إذا صلى الإمام جالساً
صلى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً يشكو من وجع في بيته في حجرة عائشة، فصلى الصحابة بصلاته وهم قيام، فأشار إليهم: أن اجلسوا وقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى جالساً فصلوا جلوساً)، هذا أمر من النبي عليه الصلاة والسلام، ورأي الحنابلة هو الراجح، أن الإمام إذا صلى من أول الصلاة جالساً لمرض يرجى برؤه وهو إمام راتب فإنه يجوز لنا أن نصلي جلوساً، والدليل هنا: أنه صلى الله عليه وسلم صلى جالساً وأمرهم بالجلوس.
لكن الحكم يختلف إن عرض للإمام عارض وهو يصلي، كأن يكون قد دخل في الصلاة واقفاً فصلينا خلفه وقوفاً، وفي الركعة الثالثة أصيب بدوار فجلس، ففي هذه الحالة نصلي قياماً، وهذا هو تفريق الحنابلة وهو دقيق؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته صلى جالساً وصلى أبو بكر قائماً وصلى الناس خلف أبي بكر قياماً، فصلى الصديق بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قائماً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل والصديق يصلي.
فهذا معناه: أنه يجوز أن يصلي المأموم واقفاً والإمام جالس، لكن بعض العلماء قالوا: بالنسخ، وبعضهم قالوا: خاصية، وبعضهم لم يفرق، وأنا أبيّن لك الراجح.
قال صاحب العدة: فإن صلى الإمام الراتب -إمام الحي- جالساً لمرض يرجى برؤه فعلى القوم أن يجلسوا؛ لقوله: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً).
وإذا كان لمرض لا يرجى برؤه فلا ينبغي أن يكون إماماً؛ لأنني أجد في بعض أحياء القاهرة أن الإمام مريض مرضاً لا يرجى برؤه، وهو غير قادر على القيام، فتراه يصر على إمامة القوم.
يا عبد الله! لا يجوز أن يتقدم للإمامة إلا الأكمل، فالإمام الراتب إذا عرض له عارض فهذا طارئ عليه، فليس معناه أن نؤخره عن الإمامة، فانتبه لمثل هذا التفريق، فهو تفريق دقيق عند الحنابلة، وهو الراجح إن شاء الله.
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت وهو شاكٍ جالساً وصلى وراءه القوم قياماً، فأشار إليهم: اجلسوا ثم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا)، وكلمة: إذا ركع فاركعوا تشير إلى التعقيب السريع؛ لأني أرى البعض يطول يركع الإمام ويسبح ويطمئن وهو لا يزال قائماً في قراءة الفاتحة، حتى إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده ركع عند ذلك، فهذا التأخير لا يجوز، حتى ولو لم تكمل قراءة الفاتحة يلزمك المتابعة.
قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا)، والفاء للتعقيب السريع (وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا).
وإلى هنا انتهت أبواب كتاب السهو.
وانتقل بعد ذلك إلى كتاب الجنائز وهو كتاب مهم جداً، بين فيه البخاري رحمه الله أحكام الميت من لحظة الاحتضار إلى الكفن، وبعض الأحكام الفقهية المهمة جداً التي تغيب عن واقعنا، ولا سيما البدع التي نراها في الجنائز.
وهناك فرق بين الجَنازة والجِنازة، فالجَنازة بفتح الجيم: هي الميت، والجِنازة: هي النعش الذي يحمل عليه.
عموماً أحكام الجنائز من الأحكام المهمة جداً، ولشيخنا العلامة الألباني إمام أهل السنة في عصره رحمه الله تعالى كتاب يسمى (أحكام الجنائز)، أفاض فيه رحمه الله تعالى، وكتاب الجنائز عند البخاري أيضاً فيه من الأحكام الفقهية ما يدعونا إلى أن نقف كثيراً عنده، فنعرف المباح والجائز والمحذور في فقه الجنائز إن شاء الله تعالى.