[ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه]
قال: [(فإن رأى أحد قصها.
فيقول ما شاء الله.
فسألنا يوماً فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا.
قال: لكني رأيت الليلة رجلين)].
أي أن الذي رأى هو النبي صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الأنبياء وحي وحق: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:١٠٢]، والنبي إن رأى في منامه شيئاً لا بد أن يمتثله؛ لأن الأنبياء يوحى إليهم في المنام، لذلك قال الله تعالى في شأن دخول المسجد: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:٢٧]، فهذه الآية رآها النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا.
يقول: [(لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة)] هذا الحديث على طوله أعاده البخاري في كتاب التعبير، من ضمن ما رأى يقول: [(فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله.
قلت: ما هذا؟)].
في المشهد الأول: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، ثم رأى آخران يقومان على رأسه بكلوب من حديد -والكلوب يشبه الخطاف- يفتحان شدقه إلى شحمة أذنه من فمه إلى شحمة أذنه، ثم يعودان يفتحان الناحية الأخرى، فإن فتح اليسرى أغلقت اليمنى، فعادا يصنعان به مثل الأول، يعني: يفتحان ثم يعودان، يفتحان ثم يعودان، فقال صلى الله عليه وسلم: [(ما هذا؟ قالا: انطلق.
فانطلقنا)].
المشهد الثاني: [(فانطلقا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بصخرة فيشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر -يعني: تدحرج الحجر- فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إليه حتى يلتئم رأسه كما هو فعاد إليه فضربه.
قلت: من هذا؟ قالا: انطلق انطلق)].
إذاً: المشهد الثاني: رجل وآخر يضرب رأسه بصخرة فتنفلق رأسه، ثم يميل إلى الحجر ليأخذه مرة ثانية فتعود الرأس سليمة فيضربه مرة أخرى، وهكذا يأتي بالحجر يضرب رأسه فتنفلق رأسه ثم يعود إلى الحجر.
قال: [(فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع)]، التنور مثل الموجود في شبرا الخيمة الصوامع العالية، أعلاها ضيق وأسفلها واسع.
[(فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه رجال ونساء عراة، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها.
فقلت: من هؤلاء؟ قالا: انطلق انطلق)].
المشهد الثالث الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم: رأى تنوراً به نار تؤجج، ورجال ونساء النار تلتهم فروجهم وهم يصطرخون في التنور، فإذا قفزوا إلى أعلى أدركتهم النار.
قال: [(فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان)].
يعني: رجل يسبح في بحر من الدم، وآخر على الشاطئ كلما وصل إليه من يسبح في بحر الدم ألقمه حجراً في فمه فيبلعه ويعود يسبح، فإذا ما أراد أن يخرج وصل إلى الشاطئ ألقمه حجراً فعاد يسبح.
[(قالا: انطلق انطلق، فانطلقنا حتى انتهيا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها، فيها شيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل فيها شيوخ، قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت)].
هذه المشاهد الخمسة تأويلها في الرؤيا، البخاري يخرج هذا الحديث في باب ما قيل في أولاد المشركين ليدلل على أن أولاد المشركين في الجنة، هذا ما أراده البخاري من المشهد الخامس.