[باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي]
قال البخاري رحمه الله: [باب: الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي].
من طريق ابن عمر: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)].
يعني: يعرض عليه المقعد وهو في قبره للجنة أو للنار؛ لأن الله عز وجل خلق لكل مخلوق مقعده في الجنة ومقعده في النار.
يعني: النار على حسب عدد البشر والجنة كذلك.
هل المشركون سيدخلون النار أو الجنة؟ هناك فتوى تقول: من مات في كنيسة فلسطين من أهل الكتاب مات شهيداً! وربنا يقول: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة:٧٢].
وهو يقول: يموت شهيداً؟! إذاً: المشركون في النار، وسيتركون أماكنهم في الجنة ليرثها المؤمنون: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣]، الميراث في الجنة على قدر العمل، ودخول الجنة ابتداءً برحمة الله، لذلك وفق شيخ الإسلام ابن تيمية بين النصوص، فقال في حديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله): الباء هنا باء مقابلة وعوض -يعني: عوض عن عمله الجنة- إنما الباء في قوله: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣] باء سببية.
والمعنى: أن الباء هنا لها معنى، والباء هناك لها معنى آخر.
دخول الجنة ابتداء برحمة الله، والميراث فيها بقدر العمل، فلا تناقض بين النصوص أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، يعني: لن يصل به العمل إلى أن يكون عوضاً له الجنة، وإنما الجنة برحمة الله، لذلك يقول علماء السنة: إن أدخلنا الجنة بفضله وإن أدخلنا النار بعدله، لذلك في مقام الحسنات يعاملنا سبحانه بالفضل، وفي مقام السيئات يعاملنا بالعدل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:١٦٠] فضل أم عدل؟ فضل: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:١٦٠] فضل أم عدل؟ عدل.
لا توجد سيئات فهو عدل، وفي الحسنات فضل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، أي: أن العمل لا يساوي الجنة، والله لو ظللت ساجداً طوال عمرك لله راكعاً مستغفراً لن توازي النعم التي أسداها لك.
وفي ذلك يقال: لا كبيرة إذا قابلك فضله، ولا صغيرة إذا قابلك عدله.
والمعنى: أنه إذا عاملك بالفضل فإن الكبيرة تغفر، وإذا عاملك بالعدل فإن الصغيرة تحاسب عليها.