[باب موت يوم الإثنين]
قال البخاري: [باب: موت يوم الإثنين].
يعني: فضل من مات في يوم الإثنين، ولقد مات نبينا صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين، وما أدراك ما يوم الإثنين؟! يقول البخاري رحمه الله: [من طريق عائشة: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة.
قال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الإثنين.
قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين.
قال: أرجو فيما بيني وبين الليل.
فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها.
قلت: إن هذا خلق؟ قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح].
يشير البخاري هنا: إلى واقعة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية، والإمام البيهقي له كتاب اسمه: حياة الأنبياء في قبورهم، حياة برزخية لا نعلم عنها شيئاً، إنما نستطيع أن نجزم الآن: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]؛ لأن البعض يقولون: هل مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رسول الله ما مات.
قلنا: مات بنص القرآن، ولكن حياته في القبر حياة برزخية، وقد ثبت في الحديث: (إذا كان يوم الجمعة فأكثروا من الصلاة علي فإن صلاتكم تعرض علي.
قالوا: كيف تعرض عليك يا رسول الله وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، ولقد مر النبي عليه الصلاة والسلام بموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره، والحديث صحيح، وليس معنى يصلي في قبره أي يركع ويسجد كما يفهم البعض، ولكن الحياة البرزخية لها قانون يحكمها، فنبينا عليه الصلاة والسلام حي حياة برزخية، أما في واقع الحياة فقد جاء في البخاري وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما عاد من زيارته لموتى البقيع شكا من ألم في رأسه، قال: (وا رأساه يا عائشة!)، وبقي في حجرتها يطبب إلى أن قال بعد أن عجز عن القيام للصلاة في جماعة، قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت عائشة: يا رسول الله مر عمر؛ فإن أبا بكر رجل أسيف، إذا قرأ القرآن بكى، وإذا بكى لم يسمع؟ قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف)، يقول العلماء: لأنها عرضت بشيء وتريد شيئاً آخر، احتجت بأن أبا بكر رجل أسيف إذا قرأ يبكي، وإذا بكى لم يُسمع.
نعم هذا عذر لكنها كانت تريد لأبيها ألا يؤم الناس فيموت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها يؤم الناس، فيربط الناس بين إمامة الصديق وبين موت النبي عليه الصلاة والسلام.
صلى الصديق بالناس أياماً رضي الله عنه، وخرج النبي عليه الصلاة والسلام قبل موته في الفرض الأخير، ورفع الستار من حجرة عائشة ونظر إلى أصحابه وهم يصلون، وابتسم ضاحكاً وعاد وقد حدثت ضجة في المسجد لسعادتهم بقدوم النبي عليه الصلاة والسلام، فأشار إليهم أن ابقوا على مكانكم، ثم عاد إلى حجرة عائشة وألقى رأسه على صدرها.
ومن فضل الله على أمنا عائشة أن مات رسول الله بين سحرها ونحرها.
والسحر: هو الصدر.
والنحر: هو الرقبة.
أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينام على صدرها ورقبتها قبل موته.
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة وبيده سواك فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى السواك فأخذت عائشة السواك من أخيها ولينته بريقها.
وفي هذا بوب البخاري أن الرجل يلين السواك لأخيه، كسرت الجزء المستخدم ثم لينت جزءاً آخر بريقها للنبي عليه الصلاة والسلام، ودفعت السواك إليه فاستاك قبل أن يموت، فكان آخر ريق مس ريقه هو ريق عائشة رضي الله عنها، وكان يقول: (بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى)، أي: أختار الرفيق الأعلى.
عليه الصلاة والسلام وكان هذا في يوم الإثنين، والبخاري يبوب بذلك فيقول: [باب: موت يوم الإثنين].
وقد بوب في أول الجنائز أنه يجوز أن تدخل على الميت بعد موته، وأن تقبله في جبهته قبل تكفينه، وهذا ما صنعه الصديق مع النبي عليه الصلاة والسلام، ومع عبد الله بن حرام لما مات في غزوة أحد.
دخلوا عليه بعد موته وقبّله الصديق في جبهته، وقال: (طبت حياً وميتاً يا رسول الله، لن يجمع الله عليك موتتين، إلا الموتة التي متها في الدنيا لن تموت بعدها أبداً)؛ لأنه (يؤتى بالموت يوم القيامة على هيئة كبش أملح ويذبح بين الجنة والنار، وينادى: يا أ