الأمر الرابع: مجلة الأزهر مجلة قيّمة نافعة فيها أبحاث طيبة، لكني فوجئت في هذا الشهر بملحق العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم لشيخنا الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى، وفيها ما يناقض عقيدة السلف حيث يقول الشيخ: وجمهور العلماء على أن آيات الصفات مجازات، فالاستواء مجاز عن الاستيلاء، والعين عن البصر، واليد عن القدرة، والوجه عن الوجود، ومعنى {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر:١٤] أنها تجري بالمكان الذي أحاطه الله بالكلاءة والعناية والحفظ والرعاية، ثم أخذ يعدد الصفات وأنها مجازات فهل جمهور السلف على هذه العقيدة؟ وهذا الكلام حينما ينشر على أنه معتقد السلف أليس في ذلك تدليساً على الأمة؟ فالسلف آمنوا بالصفات وأثبوتها لله بدون كيف، فقالوا: اليد معلومة وكيفيتها مجهولة، فأثبتوا لله الصفة مع تفويض الكيف، وهذه عقيدة مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي والأوزاعي والليث وهي عقيدة الصحابة من قبلهم.
وحينما دخل من دخل على الإمام مالك وسأله عن الاستواء: ما معنى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]؟ قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا هذا المبتدع، فأخرج من المسجد.
فقوله:(الاستواء معلوم)، أي: معلوم المعنى، فإن استوى بمعنى علا وارتفع، وليس استوى بمعنى استولى كما يدرس الآن، استولى عليه من من؟ ورحم الله ابن القيم حينما قال: ولام المعطّلة كنون اليهود، قال الله لهم:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة:٥٨] فقالوا: حنطة، فزادوا نوناً، وقال الله:{اسْتَوَى}[طه:٥] فقال هؤلاء المعطّلة: استولى.
ولكنهم يلقمون حجراً حينما قال الله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] فهل هذا يعني أن يديه بمعنى قدرته؟ فإذا قالوا ذلك فقد أثبتوا لله قدرتين، وقال عز وجل:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] فهل معناها: أن قدرة الله فوق قدرتهم؟ وحينما وصل الجعد بن درهم إلى قول الله:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:١٦٤] وفي هذه الآية إثبات صفة الكلام وهو لا يريد أن يثبتها، فقال: وكلّمَ اللهَ موسى تكليماً، فجعل موسى هو الذي تكلم مع ربه، فأراد أن يُعطّل صفة الكلام، فلما وصل إلى قول الله:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:١٤٣] لم يستطع أن يصنع شيئاً؟ فالقرآن بيّن واضح، والكلام صفة كمال، والله عز وجل له صفات الكمال، فهل تعبدون إلهاً لا يتكلم؟ فالكلام معلوم، والكيف مجهول، فلا نعلم كيف يتكلم، لكننا نثبت له صفة الكلام.
فكونه يُنشر هذا الكلام الذي فيه تأويل الصفات على أنه اعتقاد السلف فهذا ظلم وافتراء على سلف الأمة.
وقوله: إنه رأي الجمهور، والله! ما هو برأي الجمهور أبداً، وإنما هو عقيدة الأشاعرة وعقيدة المعطّلة الذين عطَّلوا آيات الصفات فقالوا: إن الله عز وجل لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال فأين الله؟ وهل يعبدون عدماً؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! فهؤلاء هم الجهمية، وهؤلاء هم الذين عطّلوا صفات الله عز وجل، لذلك خالد القسري كان والياً في عهد الجعد بن درهم وبعد أن صلى صلاة عيد الأضحى بالمسلمين قال: أيها المسلمون! فليذهب كل واحد منكم فليضح بأضحيته، أما أنا فسأضحي بـ الجعد بن درهم فهو ضحيتي، وذبحه عند المكان الذي خطب فيه؛ لأنه قال: ما اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وما كلم الله موسى تكليماً، فأراد أن يجحد آيات الله، فذبحه عند المكان الذي صلى فيه.
فأقول أيها الإخوة الكرام: لا ينبغي أن يُدرّس هذا الكلام، ولا ينبغي أن ينشر على أنه اعتقاد السلف، فهذا خلط للأمور، فليتقوا الله عز وجل.
وأبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة عاد عمّا ذهب إليه، فإن كانوا أشعرية فـ الأشعري قد عاد عن اعتقاده في الأسماء والصفات فليرجعوا إلى ما رجع إليه.