باب من صفق جاهلاً من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته
قال البخاري: [باب من صفق جاهلاً من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته].
أي: أنه تكلم جاهلاً بحكم الكلام فصلاته صحيحة، أو فعل فعلاً من الأفعال ليست من الصلاة وهو جاهل فصلاته صحيحة.
إذاً: التصفيق في الصلاة للرجال لا يجوز، وإن صفّق وهو جاهل فما حكم صلاته؟ صحيحة؛ لأنه أتى بها وهو جاهل.
وكذلك معاوية بن الحكم السلمي حينما قال لمن عطس بجواره: يرحمكم الله.
فهذا الكلام يبطل الصلاة، ولكن هل بطلت صلاته؟ لا.
لأنه جاهل.
وأذكر أن رجلاً من المصريين كلما خرج من الحرم يشتري هدايا للأسرة، فكان يذهب الظهر ويأتي بهدايا، يرجع من الظهر يأتي بهدايا، وكذلك العصر، فكان شغله خلال الأيام العشرة شراء الهدايا، فانشغل بالشراء، فبينما هو في صلاته إذ به يقول: ( XL ٥٠)، فهل تبطل الصلاة؟ لا.
لأنه ما تعمد، ولكن انظروا إلى ماذا يصنع الشغل بصاحبه!! وآخر يحكي لي لطيفة: أن رجلاً كان يبيع ويشتري في مزاد علني، فسيطر البيع على ذهنه، فبينما هو إمام وخلفه من يشتري منه، إذ به يقول له: لن أبيع لك.
وهو يصلي! سيطر عليه ما في حياته، فالإنسان ينشغل، ولذلك إذا تكلم جهلاً، أو صفّق جهلاً، أو فعل شيئاً يجهل حكمه في الصلاة فصلاته صحيحة.
إذاً: من نطق بحرفين عمداً بطلت صلاته، هذا كلام الفقهاء، أما النفخ فقالوا: لا يكون حرفان إلا بفاء مشددة، لكن البخاري رحمه الله قاس النفخ على البصق، أما النخامة فتقول أنت: أخ، ألف وخاء، ولو قلت: أخ بخلاف (خ)، فهذه نخامة، فقاس رحمه الله النفخ على البصق، فبوب هذا الباب، قال: البصق جاز فيجوز النفخ.
مداخلة: هل تجوز الصلاة خلف الصوفي؟ الشيخ: الصوفية أنواع، فهناك صوفي من أصحاب الطرق والكبائر، فإذا كان يعتقد أن النافع غير الله، ويطلب المدد من غير الله فلا يصلى خلفه.
مداخلة: لو أن رجلاً تكلم بلفظ الجلالة في غير موضعه، فهل تبطل صلاته؟ الشيخ: صلاته صحيحة؛ لأن ذكر لفظ الجلالة لا يبطل الصلاة.
مداخلة: ما حكم الكلام لصالح الصلاة؟ الشيخ: الكلام في صالح الصلاة فيه خلاف، فإن كان لصالحها فيجوز، مثل أن يكون إمامه سها وسبّح له الناس، ولم يدرك ما أخطأ فيه، فيجوز لأحدهم أن يقول: نسيت رابعة، أو: قمت إلى خامسة، أو أتيت بسجدة.
قال بعضهم: يجوز.
وقال بعضهم: لا يجوز، فالتسبيح هو الأصل، وهذا الراجح.
قال البخاري [من صفق جاهلاً من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته].
الدليل على هذا: أن الصحابة حينما أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قباء صفقوا لـ أبي بكر، فهل أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة أم عذرهم لجهلهم وعدم العلم؟ عذرهم لعدم العلم ثم صحح لهم، فمن صفق خاطئاً لم تفسد صلاته، لكن بإجماع أهل العلم أن القهقهة تبطل.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يبطل الصلاة؛ لأنه ليس من هيئتها ولا من خشوعها.
لكن التبسم لا يبطلها، والقهقهة بصوت مرتفع تبطل الصلاة.
أما البكاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكي في صلاته، وكان الصديق يبكي في صلاته، وكان عمر يبكي في صلاته، وابن عباس يبكي في صلاته، وغالب الصحابة كانوا كذلك.
لكن ما معنى البكاء؟ أن تنزل الدمعة دون صوت، أو يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل، أي: حينما يبكي في الصلاة تسيل الدموع على الخد دون صوت، لا كما يفعل البعض في حال القيام في رمضان، وبعضهم يقول: آه آه، فهذا تأوه، وهذا قد يعرضه للبطلان، أو يبكي بصوت مرتفع، فلابد أن تواري الدمع كما تواري السوءة؛ فإن دمعة العين تدعو للعجب والرياء، وكان سلفنا إذا بكى الواحد منهم لا يشعر به من بجواره.
ذُكر عند شيخ الإسلام ابن تيمية أن رجلاً يبكي ويقع في الصلاة من شدة الخوف، فقال: ائتوني به وضعوه على حائط مرتفع، واقرءوا عليه ذات الآيات التي قرئت في الصلاة، فإن وقع فهو صادق.
فلما وضعوه على الحائط وقرءوا عليه ذات الآيات ما تحرك ولا وقع وتشبث بالحائط.
إذاً: هذا الوقوع كان بإرادته، فهو يريد أن يقول: لو استطعت أن تدفع البكاء وتبكي بدون أن يشعر بك أحد، لكن لنفترض أن رجلاً يغلبه البكاء رغم إرادته، فهذا معذور، إنما الذي يتصنّع البكاء وهو يستطيع أن يكتم البكاء ولكنه يرفع الصوت -كما في بعض المساجد وكأنها مناحة، فكلهم يبكون ولعل صوتاً يأتي من قبل النساء، ثم يقال: هذا خشوع- فهذا يقال له: لا يا عبد الله! هذا ليس خشوعاً، فبكاء النبي صلى الله عليه وسلم دمعة على العين، فابك دون أن يشعر بك من بجوارك، فهذا هو الخشوع في الصلاة فانتبه لهذا! مداخلة: هل التأمين بصوت مرتفع يبطل الصلاة؟ الشيخ: التأمين بصوت مرتفع لا يبطل الصلاة، لكنه مخالف للسنة، السنة أن يؤمن بقدر ما يُسمع نفسه والمأموم.