[باب النهي عن ضرب الخدود ودعوى الجاهلية عند المصيبة]
قال البخاري رحمه الله: [باب: ليس منا من ضرب الخدود].
قوله: (ليس منا) فيها أكثر من عشرة أقوال للعلماء، فبعضهم قال: (ليس منا)، أي: ليس من سنتنا أو ليس على هدينا، وهذا قول.
وقال بعضهم: (ليس منا)، أي: يخرج من الإسلام بالكلية إن استحل ذلك الفعل.
وقال بعضهم: (ليس منا)، أي: إيمانه غير كامل.
فهذه أقوال لبعض العلماء قد عدها ابن حجر في الفتح.
قال رحمه الله تعالى: [عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)].
ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: [ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة].
والمعنى: أن البخاري يعيد نفس الحديث، لكن تحت تبويب آخر، فانظر إلى فقه البخاري في التبويب، فهناك يقول: [باب: ليس منا من ضرب الخدود]، وهنا يقول: باب: [ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة].
وسند الحديث الأول قال فيه: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم].
فشيخ البخاري هنا هو: محمد بن بشار، وشيخ البخاري في الحديث الآخر هو: عمر بن حفص، قال رحمه الله تعالى: [حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)].
فالمتن هو المتن، لكن اللطيفة في السند، فشيخ البخاري في الحديث الأول يختلف عن شيخه في الثاني، والسند الأول يختلف عن السند الثاني، فتعددت طرق الحديث عند البخاري رحمه الله تعالى.
ولذا قد نجد في عصرنا اليوم من يطعن في البخاري، فقد أعطاني أحدهم كتاباً كان يرغب في توزيعه، وهو رسالة صغيرة، وكاتبه لم يجد له سبيلاً للبيع فوزعه مجاناً، وحتى لو وزعوه بجائزة فلن يجدوا له أرضاً! لأن الكتاب كله طعن في البخاري ومسلم، وطعن في حد الردة، وطعن في حد الرجم، وطعن في أصول اتفقت عليها الأمة، يقول هذا في هذا الكتاب: أما البخاري فلم يجمع صحيحه إلا من مخطوطة مضى عليها أكثر من ثلاثمائة سنة! يعني: أن البخاري مات سنة ٢٥٦ هجرية، ولم يجمع إلا في سنة ٦٠٠ أو ٥٠٠ في آخر القرن الرابع أو الخامس، أي: أن هناك فترة زمنية بين المخطوطة التي تركها البخاري وبين إخراجها في صورة كتاب، فلا نأمن أن يكون البعض قد دس على البخاري، وعلى هذا ينتهي إلى أن البخاري الذي بين أيدينا ليس له من الصحة شيء.
فنقول له: أنت لا تعلم كيف تحقق المخطوطات، فالمخطوطة حتى تصبح كتاباً لا بد لها من أصول في التحقيق: أولاً: لا ينبغي أن يخرج الكتاب عن مخطوطة واحدة، بل لابد أن يكون هناك أكثر من مخطوطة، في القاهرة، وفي بغداد، وفي غيرها من البلدان، ثم بعد الحصول على هذه المخطوطات لا بد من المقارنة بينها.
ثانياً: إثبات أن هذه المخطوطة لمؤلفها.
ثالثاً: إثبات أن هذه المخطوطة قد كتبت بالخط الذي عاش في عصره المؤلف أو نقلت عنه، وهذا علم كبير يدرس الآن يسمى: علم المخطوطات.
فيا من تطعن في أصل البخاري، ما علمك بعلم المخطوطات؟ وهل هناك أحد من الأمة قال: إن البخاري قد حقق عن مخطوطة مطعون فيها؟! ثم عاد هذا الخبيث فقال: إن حديث فقأ موسى لعين ملك الموت لا نقبله! فيا هذا انظر إلى أقوال أهل العلم -إن هذا الكتاب جرثومة، وكاتبه علماني خبيث أعرفه- وأيضاً يطعن في حد الردة، ويطعن في حد الرجم فيقول: إن الرجم هذا ليس من السنة، وليس من الإسلام، ولابد أن نعيد النظر فيه! إن هؤلاء الناس بضاعتهم راكدة وليس لهم سوق، لذلك طبع هذا الكتاب وكتب عليه: يوزع مجاناً، وإن شاء الله لن يقرأه ولن يحصل عليه أحد، حتى وإن كان مجاناً.