[باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة]
قال البخاري رحمه الله تعالى: [باب: من لم يظهر حزنه عند المصيبة: حدثنا بشر بن الحكم حدثنا سفيان بن عيينة أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: اشتكى ابن لـ أبي طلحة]، فـ أبو طلحة الأنصاري تزوج أم سليم، وأم سليم هي أم أنس الذي دفعته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، والابن الذي اشتكى اسمه عمير، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يداعبه ويقول له: (يا أبا عمير -يعني: يكنيه وهو صغير.
وفيه جواز الكنية لمن لم يولد له- ما صنع النغير)، والنغير هو اسم عصفور، فقد كان لـ عمير عصفور صغير يلعب به، وفي يوم بكى عمير وقال: مات النغير يا رسول الله.
وفي يوم من الأيام خرج أبو طلحة لعمله وترك ابنه مريضاً، فمات الولد في غياب أبيه، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً ونحَّته في جانب البيت، وفي الرواية الأخرى: هيأت نفسها، يعني: تزينت.
وفي الحديث مشروعية تزين المرأة لزوجها عند الموت.
وفي رواية أخرى: وتطيبت.
يعني: وضعت الطيب لزوجها وابنها ميت في البيت، ولم تُظْهِر على وجهها الحزن، وأبو طلحة لم يعلم أن ابنه قد مات.
ولما عاد إلى بيته قال: كيف الغلام؟ وفي هذا مشروعية اطمئنان الأب على أبنائه، فقالت: قد هدأت نفسه.
أي: أرادت أن نفسه قد فارقت الحياة، بينما فهم أبو طلحة رضي الله عنه أن نفسه قد هدأت بالنوم، وهذا ما يسمى بالمعاريض، والمعاريض فيها مندوحة عن الكذب، ولا تستعمل إلا عند الضرورة، وتأملوا إلى المرأة عندما قالت: وأرجو أن يكون قد استراح، فهي رضي الله عنها لم تجزم بأنه قد استراح، وإنما رجت رجاءً، ولذلك حينما أقول: زوج مبارك، أي: أرجو من الله أن يكون مباركاً، فهذا رجاء وليس قطعاً.
قال رحمه الله تعالى: [وظن أبو طلحة أنها صادقة، فباتا، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل] أي: اغتسل من جماع.
وفي الرواية الأخرى للبخاري: وعرضت، أي: أنه يجوز للمرأة أن تعرض لزوجها، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
قال: [فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات]، أي: عندما أراد الخروج قالت له: إن ولدك قد مات.
ثم قال: [فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما]، أي: قص عليه ما حدث منهما.
قال: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما)]، وفي رواية أخرى: (بارك الله لكما في ليلتكما) فقطع لهما بالبركة.
يقول الراوي من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن.
وكل هذا بفضل دعوة النبي عليه الصلاة والسلام.
وهنا نقول: إن أم سليم لم تظهر الحزن عند حلول المصيبة، والنبي قد أظهر الحزن في بئر معونة وفي غزوة مؤتة، وعلى هذا صنف البخاري: باب: (ظهور الحزن عند حلول المصيبة)، وباب: (من لم يظهر الحزن عند حلول المصيبة).
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا علماً نافعاً، ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
آمين آمين.